6 سبتمبر 2025 / 13:02

إشارات في قراءة السيرة النبوية (2)

محمد زاوي

في تفسير “حدث” السيرة عدد من الأطروحات، لعل أبرزها:

1 ـ حاجة شبه الجزيرة العربية والمناطق المحيطة بها إلى واقع جديد، وبالتالي إلى قوة قيادية جديدة؛ خاصة بعد ضعف الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية وانفتاح المنطقة على مستقبل من الصراعات والحروب الداخلية. (عبد السلام الموذن، النبي محمد والدولة القومية العربية)

2 ـ ظهور الإسلام في منطقة قابلة للتثوير الاجتماعي، بفعل انتشار التجارة وظهور اهتمام قرشي (عربي) بها، ناهيك عن ظهور طبقة من التجار تسعى إلى توسيع قدراتها على الربح.

صحيح أن الإسلام ناهض قيم هذه الطبقة، ولكنه كان يعمل منذ البداية وتاريخيا على تحقيق مصلحتها. (مونتغمري واط، محمد في مكة)

3 ـ ثورة الإسلام على التفاوت الاجتماعي المنتشر في شبه الجزيرة العربية (ملأ قريش في مكة/ الي-هو-دية الربوية في المدينة)؛ فقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم هذا التفاوت منذ صغره (التفاوت بينه وبين أعمامه) ثم لما أشرف على تجارة خديجة بنت خويلد (ض)..

وكانت النتيجة الأبرز لهذه المعرفة الأولى ثورة الإسلام على الظلم الاجتماعي. (بندلي الجوزي، من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام)

4 ـ حاجة العرب إلى دولة تجمع شتاتهم القبلي، فقد ظلوا سنوات يبحثون عن هذا الجامع، وما دعوة “الحنفاء” إلا تجلّ من تجليات هذه الحاجة.

التوحيد القرآني، في نظر هذه الأطروحة، كان كفيلا بتحقيق التوحيد السياسي، فانتقل العرب من قبائل متفرقة ومتطاحنة إلى دولة مركزية تتوسع. (عبد السلام الموذن، دراسة سابقة/ الخليل عبد الكريم، قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية)

تتعدد الأطروحات، وتقتضي طرح عدة أسئلة:

هل من جامع بينها؟ هل تؤكدها معطيات تاريخية محقَّقة؟ هل نغض الطرف عنها مكتفين بالرواية ما دامت تخدم موقعنا في التاريخ وحظنا منه؟

****
استدعاء السيرة النبوية إيديولوجيا ليس مدعاة للنقد بلا قيد. إن استعادة التاريخ -مهما كان هذا التاريخ- لشرط جديد نادرا ما تخلو من أدلجة.

السؤال مطروح حول مدى استجابة هذه العملية (الأدلجة) لمطلبنا في التاريخ. وما دامت السيرة بحثا في تاريخ النبوة، فإنها قابلة لمنحيين في الاستدعاء:

ـ منحى إيديولوجي: وفيه نوعان: منحى الرواية الرائجة، ومنحى العِلموية. وكلاهما يملأ الثغرات والفجوات بالتأويل والتخمين، المنحى الأول يملؤها بتأويلات توحي بها العقيدة، فيما يملؤها الثاني بتأويلات تعيد إنتاج التفسير “الغربي” في شرط مغاير.

وغالبا ما توافق التأويلات العقدية مطلبنا في التاريخ، إذا تعلق الأمر بحفظ شرعية الدولة وتماسك المجتمع.

أما التأويلات العلموية، ففضلا عن أنها تخالف حقيقة التاريخ فإنها كثيرا ما تستهدف مطلبنا في التاريخ وتفرض على مجتمعاتنا إشكاليات لا تحقق مطالبها التاريخية.

ـ ومنحى علمي: وهذا مجاله مختبرات التاريخ وفلسفته، حيث تبنى الحقيقة التاريخية على الشواهد وتفسَّر بقواعد التاريخ مع مراعاة التاريخ الخاص.

إن هذا المنحى من النظر في السيرة لا يملأ الثغرات بالتأويل، ولا يقول باستحالة السيرة عند استعصاء ثغراتها. يعلم أن كل تأويل علموي لا يخلو من إيديولوجيا، وإن وافق المنحى العام للتاريخ، وإن كان أقرب إلى العلم من “منحى الرواية”.

هناك أغراض إيديولوجية لبعض الأبحاث في السيرة، ومنها تلك الأبحاث التي تسارع إلى ربط سيرة الإسلام بيهود ونصارى شبه الجزيرة العربية، خاصة بما يسميه البعض “الحركة اليهودية-النصرانية”.

غرض هذا النوع من البحث، وإن بنى نتائجه المتعسفة على وثائق، هو إدماج الإسلام في حركة دينية سابقة عليه، الأمر الذي يغطي على تقدمه وخاتميته وعالميته.