4 سبتمبر 2025 / 09:52

الدراسات القرآنية بين القديم والحديث: استدراكات

محمد أومليل
تحدثنا في الفقرات السابقة عن “دعاة جدد”، ظهروا منذ أواخر القرن العشرين وهم في ازدياد إلى الآن بارك الله في جهودهم، يدعون إلى الاعتماد على القرآن من حيث استعمال الكلمات وفق ما ورد في القرآن تحت عناوين عدة، من ضمنها:
– لسان القرآن
– عربية القرآن
– المنهج اللفظي
– المصطلح القرآني.
إلى غير ذلك مما يندرج ضمن الدعوة إلى استعمال كلمات القرآن دون غيرها مما ليس له أصل قرآني.
ما تم استدراكه على هؤلاء “الدعاة الجدد”؛ عدم ائتمارهم الكلي بما يدعون إليه “التأصيل القرآني”، يتضح ذلك من خلال تداولهم بعض الكلمات لا أصل لها في القرآن، مثل: “مصطلح”، و”منهج”، إلى غير ذلك مما يتداولونه خارج “التأصيل القرآني”، مثل؛ ثورة، دستور، ديمقراطية..، إلخ.
لقد وقعوا في “الانتقائية السلبية”، بالتعبير القرآني:
” الذين جعلوا القرآن عضين “.
تجزيئ القرآن وعدم الائتمار الكلي:
” أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض “.
التأصيل القرآني
قبل الدخول في عملية ضبط تلك الكلمات قرآنيا، وجب التذكير بمدى أهمية “التأصيل القرآني” ضمن كتاب الله.
قال تعالى مستدركا على بعض الكلمات التي تم إطلاقها بشكل خاطئ:
” قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا “.
مما يفيد أن هناك فرقا بين “آمنا” و”أسلمنا”.
” يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا “.
كلمة “انظرنا” أولى استعمالا من كلمة “راعنا”.
إلى غير ذلك من الاستدراكات اللفظية الواردة في القرآن.
إذن “التأصيل القرآني” من حيث الاستعمال اللفظي له دليله من القرآن الكريم.
المصطلح
هذه الكلمة تندرج ضمن قاموسهم اللغوي مثل “علم المصطلح القرآني” أو “منهج المصطلح القرآني”.
ينسبون كلمة “مصطلح” للقرآن، والقرآن منه براء؛ لا وجود له في كتاب الله.
بديل كلمة “مصطلح” في كتاب الله “الكلم”؛ كونه يتوفر على خصوصيات “مصطلح” من حيث الضبط والدقة العلميين.
قال تعالى: ” يحرفون الكلم عن مواضعه “.
“الكلم” في القرآن له دلالته الخاصة غير قابلة للتحريف والتبديل والتحويل، لدرجة أن ليس هناك ترادفا في القرآن، حسب رأي علماء اللغة العربية المتقدمين والمتأخرين.
إذن من حيث “التأصيل القرآني”؛ كلمة “الكلم” أولى بالاستعمال من كلمة “مصطلح”.
منهج
ورد في القرآن كلمة “منهاج”، ولم ترد كلمة “منهج”.
قال تعالى: ” لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا “.
“المنهاج”؛ المراد به “كيفية معينة” معتمدة في تدبير شؤون الإيمان والعمران والدنيا والدين، أي تطبيق عملي لمقتضيات “الشرعة”، تتصدرها “الحكمة النبوية” حسب تعبير “الكلم القرآني”، أما في التراث الإسلامي يطلق علية “السنة النبوية”.
استنادا على ما تقدم، عوض “منهج المصطلح القرآني”؛ نقول “منهاج الكلم القرآني”.
وبذلك نكونوا منسجمين مع القرآن كليا بمعزل عن الانتقائية والتعضين والتعامل مع القرآن بشكل تجزيئي، بلسان القرآن:
” الذين جعلوا القرآن عضين “.
من باب التناقض أن ندعوا: الرجوع إلى القرآن من حيث استعمال كلماته وألفاظه، وفي الوقت نفسه نستعمل ما هو خارج قاموسه اللفظي!
ارتأيت أن لا أدرج هذا الاستدراك في الفقرات السابقة التي تضمنت الحديث عن (لسان القرآن، عربية القرآن، المنهج اللفظي، المصطح القرآني) تفاديا للتشويش على الفكرة الجوهرية لما تقدم ذكره من عناوين، كون الفكرة محمودة ومفيدة.
مما يندرج ضمن “العلم”؛ الوفاء لأخلاقياته ومقتضياته، ومن ضمن ذلك؛ الائتمار بمنهجه وقواعده ومصطلحاته ونسقيته وعدم التناقض مع أوامره ونواهيه.
ذلك ما ينطبق بالضبط على تعاملنا مع القرآن الكريم، إن نحن اتخذناه مرشدا لنا شكلا ومضمونا في إطار الحديث عن الدين.
أما خارج ذلك الإطار، فمن حق المرء أن يستعمل في كل علم مصطلحاته الخاصة به. لكل مقام مقال.
عموما، مما يساهم في التواصل والتفاهم؛ الوضوح المعرفيع والمنهجي والمصطلحي والأيديولوجي، بخلاف الخلط والالتباس والتعقيد يفضي إلى الغموض وسوء الفهم وعدم القدرة على التواصل بشكل جيد، فضلا عن التجاسر الميسر.