4 سبتمبر 2025 / 08:07

إشارات في قراءة السيرة النبوية (1)

محمد زاوي
مساحات شاسعة من السيرة النبوية ظلت خفية أو مخفية، وزادها خفاء الارتباط الإيديولوجي الواسع بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورغم أهمية هذا الارتباط فقد أخفى عن المسلمين والعالمين أجمعين حقيقتين في السيرة:

الحقيقة العرفانية: بما هي الحقيقة التي يتأسس عليها اليقين بالوحي، وبها تتأكد علاقة الغيب بالشهادة؛ فكيف يعرف الناس غيبا لا يقتربون منه؟! وكيف يؤمنون بوحي لا يجدون وحيانيته؟!

الحقيقة التاريخية: لأن السيرة “وحي في تاريخ”؛ فلا ننفي تأثير الوحي في الناس والوقائع، كما لا ننفي خضوع هذا التأثير لما يسميه البعض “سنن التاريخ”، بمعنى “قواعد التاريخ” إذا استحالت أكثر ملموسية وأكثر جدلية.

يجب إعادة قراءة السيرة، لكن بوعي جديد عرفاني/ تاريخي.

****
هناك شروط سبقت السيرة، سبقت الوحي وأسست لقابليته؛ تحدثت عنها السير الرائجة بمنطق الرواية، فانحسرت في عبادة الأصنام وقيم العرب وانحراف السلوك الجنسي والانقسام القبلي الخ؛ ورغم أهمية هذه الشروط في قراءة السيرة النبوية إلا أنها في حاجة إلى مزيد تفصيلٍ بطرح عدد من الأسئلة:

ما هي الأسس الاقتصادية للسيرة؟

في أي ثقافة بدأت وتطورت؟

أي نوع من التقسيم الاجتماعي سبق البعثة النبوية؟

كيف كانت العلاقة بين القبائل العربية وبطونها ودُورِها؟

هل مهدت دوافع التوحيد السياسي لرسالة النبوة؟

أي خطاب وأي تأثير كان لليهود والنصارى في شبه الجزيرة العربية؟

هل كان لشبه الجزيرة العربية حظ من ثقافة الشرق الأقصى عن طريق بلاد فارس؟

إلى غير ذلك من الأسئلة التي تفرض إشكالياتها في موضوع “مقدمات السيرة النبوية”.

****
النماذج التي حاولت تفسير أحداث السيرة اقتصاديا ليس بينها اتفاق، ولا يعني ذلك خطأها أو خطأ بعضها بالضرورة، بل هي في حاجة إلى تمييز بين ما هو منها واقعي وما هو منها تخميني ظني.

الواقعي عبارة عن معطيات ناقصة، ومن يملأ الفراغ يعتمد التخمين والتأويل وفق وجهة نظر خاصة. البحث هنا يبدأ بطرح السؤال حول مدى حقيقة المعطيات المتوفرة من جهة، وعلى أي أساس يتم تأويلها لملء الفراغ التأريخي والتاريخي من جهة أخرى.

وهذا مبحث ضاع في السيرة بين عمل المستشرقين والرواية السائدة.

(يتبع)