27 أغسطس 2025 / 11:37

تحولات أنماط التدين الإسلامي في سوريا

محمد تركي الربيعو. باحث سوري 

يبدو أن السؤال اليوم حول واقع الإسلام في سوريا سؤالاً مشروعاً، خاصة في ظل التحولات الكبيرة التي شهدها هذا الإسلام خلال السنوات الماضية. ومع سقوط النظام السوري، عاد الإسلام، وبالأخص السني، ليتصدر المشهد لأسباب متعددة، وفي سياق التوتر الطائفي الذي عرفته البلاد في الأشهر الماضية، ذهب بعض المراقبين إلى ربط الإسلام السني بجهة واحدة، أو تصويره كإسلام موحد.

في المقابل، تكشف تجربة السنوات الأربع عشرة الماضية، على أقل تقدير، أننا أمام إسلامات متعددة داخل الإسلام السني، وأن الإسلام السني اليوم ينقسم إلى عدة طبقات، لكل منها جذورها وتاريخها، لكنها تأثرت بشكل مختلف بالحرب والتحولات الاجتماعية والسياسية. بعض هذه الطبقات له جذور تاريخية أقدم، بينما يرتبط جزء آخر بالتحولات السلفية التي عرفتها البلاد منذ التسعينيات تقريباً، وهو تحول لم يكن تنظيميا بالضرورة، بل أقرب ما يكون إلى ما وصفه أوليفييه روا بـ”السلفية الجديدة”، وهي سلفية فردانية أكثر منها تنظيمية، رغم أن بعض الجماعات السلفية استطاعت التنظيم بعد عام 2003.

العامل الثالث الذي ساهم في تشكيل الإسلام السوري في السنوات الماضية هو الهجرة، وهو عامل غالبا ما يغفل في الدراسات. ففي حالة جماعات مثل جماعة زيد، تحولت هذه الجماعات إلى توجهات أكثر تسيساً بعد استقرارها في تركيا لعشر سنوات أو أكثر، ما حولها من جماعة تقليدية محلية تهتم بالخدمات إلى جماعة، في بعض فصولها، تأثرت بالمهجر والتجربة التركية الإسلامية، وتغيّرت بعض قناعاتها وممارساتها الدينية والسياسية تدريجيا. وهذا لا يعني بالضرورة تطور إيجابي.

بشكل عام، يمكن القول أننا أمام ثلاث طبقات رئيسية ترسم الإسلام، أو التدين اليومي في سوريا، مع ملاحظة أن هذه الطبقات لا تعني بالضرورة الانفصال أو الصراع المستمر، فهي قد تتشابك في مناطق عدة، وقد تتصادم في مناطق أخرى:

الطبقة الأولى: التدين الحربي أو السلفي، وهي التي تشكلت خلال فترة الحرب في سوريا، وتمثل التدين المرتبط بالمقاتلين والمجموعات المسلحة ذات الخلفية السلفية. هذا التدين نما في ظل غياب الدولة أو ضعفها، ويعكس حالة من المركزية العسكرية والتنظيمية غير الرسمية، وبرز غالباً في مناطق النزاع المباشر.

الطبقة الثانية: التدين الخائف أو المحلي المحاصر، وهو أقرب إلى الإسلام اليومي الوسطي، لكنه أصبح أكثر محافظة نتيجة ظروف الحرب، والانهيار الاقتصادي، وفقدان الأمل في المستقبل. هذا التدين يعكس القلق اليومي والخوف لدى المجتمع المحلي، سواء من الفقراء أو الطبقات المتوسطة، ويظهر في الممارسات اليومية، مثل الاهتمام بالصلوات الخاصة كصلاة الاستخارة، التي توفر فسحة من الأمل وسط الظروف الصعبة. وقد لوحظت ظواهر مشابهة لهذا الاسلام بعد الحروب في دول أخرى، مثل البوسنة، حيث دفع التوتر والصعوبات الاجتماعية الناس إلى مزيد من التدين والممارسات الروحية كوسيلة للتكيف مع الواقع.

الطبقة الثالثة: الإسلام المحلي المتأثر بالمهجر، ويشمل أفراداً عاشوا في الخارج لفترات طويلة، ثم عادوا أو ظلوا متصلين بالمجتمع المحلي. هذا التدين يعكس التأثر بالممارسات الإسلامية في تركيا وأوروبا، ما أضاف بعداً داخل الإسلام السني السوري. وهو بعد ربما يحتاج الى وقت كي يعبر عن نفسه.

رغم أن التوتر الطائفي في الفترة الأخيرة ساهم في ظهور خطاب سني موحد وصلب، فإن هذه الطبقات الثلاث تبيّن أن الواقع أكثر تعقيداً: نحن أمام إسلامات متعددة داخل الإسلام السني، أو تيارات مختلفة تتفاعل وتتقاطع أحياناً، وقد تتنافس في أحيان أخرى على النفوذ الاجتماعي والسياسي، وقد يحتاج الأمر لبعض الوقت قد يظهر هذا التنافس بشكل أكثر وضوحاً.