27 أغسطس 2025 / 10:00

الدراسات القرآنية بين القديم والحديث: فريدة زمرد

محمد أومليل

من ضمن أبرز الباحثات (المعاصرات) في الدراسات القرآنية تخصص “المصطلح القرآني” متمكنة في تخصصها بالإضافة إلى علوم القرآن والتفسير، شغوفة بطلب العلم وتعليمه، خلوقة هادئة متواضعة وقورة يبدو عليها سمة الصلاح والجدية والاستقامة؛ مما خولها إلقاء درس حسني أمام الملك محمد السادس في موضوع (المرأة في القرآن بين الطبيعة والوظيفة) سنة 2005.

فريدة زمرد مغربية من مواليد ستينيات القرن الماضي، ما زالت على قيد الحياة أطال الله عمرها ونفع بها العباد، حاصلة على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية تخصص علوم القرآن والمصطلح القرآني، أستاذة التعليم العالي مادة التفسير وعلوم القرآن بجامعة القرويين مؤسسة دار الحديث الحسنية للدراسات العليا، أستاذ زائر بمعهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية، تقلدت عددا من المهام العلمية والتربوية، منها، مثالا لا حصرا، عضوية المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء، وعضوية مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مجدع) بصفة خبير، رئيسة هيئة تحرير مجلة (الرؤية)، إلى غير ذلك من المهام في مجالات علمية متعددة.

لها عدة مؤلفات في فروع العلم والمعرفة، من ضمنها ما له علاقة بالدراسات القرآنية:

– مفهوم التأويل في القرآن الكريم

– مسائل وقضايا في التفسير والتأويل

– علم التفسير: ملاحظلات في التاريخ وملامح التطور

– القراءة النسقية للقرآن الكريم عند المستشرق الياباني توشيهكو إيزوتسو

– حدود التأويل وخصوصية النص المؤول

– معجم المصطلحات القرآنية المعرفة في تفسير الطبري

– الدرس المصطلحي للقرآن الكريم بين التأصيل والتطوير.

الأستاذة مهتمة بشكل كبير بالمصطلح القرآني تعد من رواد هذا الفن، بالمغرب، بعد الدكتور الشاهد البوشيخي له عدة مؤلفات في الموضوع.

منهجها المعتمد في التعامل مع القرآن الكريم؛ التوسل باللغة العربية، وفروع علوم القرآن، والجمع بين الأثر والرأي، وتحقيق المقاصد الكبرى للقرآن بما في ذلك جلب المصلحة ودفع المفسدة، وتعزيز مكانة المرأة في المجتمع، مع التركيز على المصطلح القرآني كونه مفتاحا أساسيا لفهم القرآن تفسيرا وتأويلا وتنزيلا.

الأستاذة تفرق في التعامل مع القرآن بين المدخل المصطلحي وبين التوجيه المذهبي.

لها مقال طويل، نشرته في مجلة الإحياء، تحت عنوان: “تفسير القرآن من التوجيه المذهبي إلى المدخل المصطلحي”.

ترى الباحثة أن هناك إشكالية الخلفية الثقافية في تعامل المفسر مع النص القرآني: “ولأن المفسر قبل أن يكون شارحا لكلام الله تعالى، هو إنسان منفعل بثقافة معينة ومجتمع معين، لم يكن بالإمكان فصله عن خلفياته الثقافية والسلوكية والمجتمعية تلك. لكن القرآن الكريم، في المقابل، لا يمكن بحال توجيه دلالته تبعا للتصورات المذهبية والآراء الخاصة للمفسر (البيئية والمجتمعية والطائفية والمذهبية والأيديولوجية)، كيف وهو الكتاب الذي جاء ليتخطى حدود الزمان والمكان والإنسان؟

تلك هي إشاكلية التعامل مع القرآن الكريم، وإشكالية علم التفسير بصورة أدق: إشكالية تتحدد أسئلتها الكبرى في: كيفية التوفيق بين رؤية المفسر التي توجه عمله التفسيري وفهمه القرآن وتمثل دلالته، وبين الرؤية القرآنية المودعة في كلماته وآياته وسوره؟ وهل من مدخل آمن إلى التفسير، وإلى اقتناص تلك الرؤية القرآنية الخالصة، يعصم صاحبه من السقوط في مزالق التأويل الجاهل والتحريف الضال؟”(1).

ما طرحته الأستاذة فريدة زمرد في غاية الأهمية، إنها إشكالية إبستمولوجية يعبر عنها ب “جدلية الذاتية والموضوعية”؛ من الصعوبة بمكان الفصل بينهما، وبالأخص في ما دون العلوم الحقة، مثل العلوم الإنسانية والاجتماعية والدينية.

لا سيما العنصر الأخير؛ كيف يمكن للسني أن يتعامل مع القرآن دون توجهه السني، وكذلك الشيعي والصوفي والداعشي والأمازيغي والعلماني والحداثي والمستشرقي..، إلى غير ذلك من التوجهات الطائفية والأيديولوجية.

أقصى ما يمكن الوصول إليه المرء هو الوعي بالذات وميولاتها ويحاول قدر الإمكان أن يسدد ويقارب.

في رأي الأستاذة “المدخل المصطلحي” كفيل بأن يحل هذه الإشكالية ولو بنسبة معينة، وهي واعية بأن الأمر ليس هينا:

” لا نزعم في هذا المقام الضيق الإجابة على هذه الأسئلة الكبيرة (التي تم طرحها أعلاه بين مزدوجتين)، وإنما هي محاولة لطرق باب البحث في هذه القضية، نبرز من خلالها وضع التفسير بين التوجيه المذهبي، والمدخل المصطلحي، على أساس أن التوجيه المذهبي شكل المأزق في هذه المسألة بينما نرجو أن يشكل المدخل المصطلح حلا لها “(2).

حصرت الأستاذة الإشكالية في “المذهبي” فقط. مع أن الإشكالية تشمل الطائفية والأيديولوجية والتخصص العلمي والولاء السياسي والخلفية الثقافية بشكل عام؛ الإشكالية في مجملها “جدلية الذاتية والموضوعية”!؟

حارت حولها الإبستمولوجيا!؟

الحل يكمن في التعامل مع القرآن، بنسبة معينة، على أساس قدر كبير من الاستقلالية وامتلاك أدوات علمية، نقلية وعقلية، مع نزعة إنسانية ورؤية كونية؛ في حدود محكمات القرآن ومقاصده الكبرى والقيم الأخلاقية النبيلة والسنن الربانية الناظمة للآفاق والأنفس.

طرحت الأستاذة عدة مقاربات للمدخل المصطلحي، منها: المقاربة الموضوعية، المقاربة الدلالية، المقاربة السياقية؛ كل ذلك من أجل ضبط المصطلح داخل القرآن الكريم.(3).

صحيح، بأن “المدخل المصطلحي” في غاية الأهمية لرصد دلالات الكلمات القرآنية من داخل القرآن، وبمعزل عن معاجم اللغة، على أساس الاستقراء ومراعاة السياق ورفض الترادف؛ استنادا على ما تقدم سنرصد دلالات جديدة للمصطلح القرآني.

لكن “المدخل المصطلحي” وحده غير كاف للتخلص من الخلفية الثقافية والبيئية والمجتمعية والطائفية والمذهبية والأيديولوجية، بل لا بد من الاستقلالية والتزود بأدوات علمية نقلية وعقلية بالإضافة إلى رؤية كونية ونزعة إنسانية في حدود محكمات القرآن ومقاصده الكبرى والقيم الأخلاقية النبيلة والسنن الربانية الناظمة للآفاق والأنفس.

استنادا على ما تقدم، يتم إخراج القرآن من ضيق الخصوصية إلى سعة العالمية والكونية.

فالله رب العالمين سبحانه “ألا له الخلق والأمر”.

المراجع:

-1، مجلة الإحياء، العدد 27، ص 84.

-2، م س، ص 85.

-3، م س، ص 89 وما بعدها.