محمد أومليل
ذات شخصية قوية، ولغة متينة، ولسان فصيح، وروحانية عالية، ومتانة خلق، ومشاعر راقية، وعزة نفس، واستقامة وجدية..، وغير ذلك من الصفات الحميدة التي تجلب الهيبة والاحترام والتقدير طوعا وكرها، ذات مكانة علمية مرموقة بين علماء فطاحلة ناقشتهم وانتقدتهم واختلفت معهم من ضمنهم أستاذها عميد الأدب طه حسين؛ كان يسره ذلك جدا؛ حسب ما صرحت به هي شخصيا.
محاضراتها في غاية الروعة والمتعة شكلا ومضمونا لا سيما مخارج الحروف وفصاحة اللسان ووضوح العبارة والاسترسال السلس والتحليل العميق!
عائشة محمد علي عبد الرحمن المعروفة ب (بنت الشاطئ) مصرية والدها كان من أهل العلم والتصوف (محمد علي عبد الرحمن الحسيني) شيخ طريقة له مريدون في السلوك الصوفي وتلامذة في التحصيل العلمي، وكذلك جدها من أمها كان من أهل العلم، أخذت عن والدها التربية والعلم والتصوف، مفكرة وكاتبة وباحثة وصحافية وأستاذة جامعية حصلت على شهادة الدكتوراه في الأدب تحت إشراف عميد الأدب طه حسين، نالت عدة جوائز داخل مصر ومن بلدان عربية، من ضمنها؛ جائزة الملك فيصل للأدب، ووسام الكفاءة الفكرية من المملكة المغربية، وجائزة الأدب من الكويت..، إلى غير ذلك من الجوائز داخل مصر وخارجها.
تأثرت كثيرا بطه حسين ومصطفى عبد الرازق ومي زيادة وأمين الخولي قبل زواجهما، بالإضافة إلى الشيخ محمد رفعت الذي أخذت عنه القرآن.
هي بدورها تأثر بها العديد من أهل العلم والفكر، مثل؛ شيخ الأزهر عبد الحليم محمود ووزير الأوقاف السابق محمد حسني عبد العظيم والحقوقي والمحامي سليم العوا والمفكر المتمرد الصادق النيهوم والشاعرة والأكاديمية مريم البغدادي..، ما تقدم ذكره مثالا لا حصرا..
كانت مهتمة بالقرآن منذ صغرها، تحكي عن نفسها أنها رأت في المنام رؤيا حول القرآن، أيام دراستها، وحين ذهبت إلى المدرسة تحقق ما رأته في المنام طبق الأصل، ومرة أخرى رأت في المنام موضوع المادة للاختبار، فلما استيقظت اشتغلت على ما رأته، فلما حضرت قاعة الامتحان تحقق لها ذلك بكل حذافيره(1).
مرد ذلك إلى روحانيتها العالية التي تشربتها من قبل والدها العالم الصوفي الشيخ المربي.
تحكي عن علاقتها بالقرآن:
” ذلك أنني نشأت في بيت علم ودين ألفت منذ الصغر أن أصغى بكل وجداني إلى هذا القرآن في تأثر وخشوع، لكني لم أع بيانه حق الوعي إلا بعد تخصصي واتصالي باللغة العربية، فكنت كلما ازددت تعمقا في الدرس وفهما للعربية وقفت مبهورة أمام جلال هذا النص المحكم” (2).
لها عدة مؤلفات في الأدب والفقه والفكر والسير والدراسات القرآنية، من ضمنها:
– الشخصية الإسلامية: دراسة قرآنية
– القرآن وقضايا الإنسان
– القرآن والتفسير العصري؛ لديها منه موقف سلبي.
– التفسير البياني للقرآن الكريم.
من ضمن عناصر منهجها المعتمد:
– المنهج البياني
– اللغة العربية
– السياق والضوابط
– تغليب الأثر على الرأي
– جمالية القرآن
– الجانب الصوفي
– التفسير الموضوعي.
تقول عن هذا الأخير موضحة إياه:
” والأصل في منهج هذا التفسير.. هو التناول الموضوعي الذي يفرغ لدراسة الموضوع الواحد فيه فيجمع كل ما في القرآن منه.. بعد تحديد الدلالة اللغوية لكل ذلك “(3).
لتوضيح ذلك أكثر، إنجاز موضوع عن “العدل” في القرآن؛ من خلال استقراء القرآن بكامله حول الموضوع ورصد السياقات الوارد فيه مفهوم “العدل”، ثم يتم استخراج مجموعة خلاصات حول الموضوع.
من ضمن الأفكار المهمة التي توصلت إليها عائشة بنت الشاطئ؛ التمييز بين “الفهم” و”التفسير”: “يبدو أننا في حاجة إلى أن نضع الحدود الفاصلة بين ما يباح وما لا يباح من تأويل كتاب الله.. بين حق كل إنسان في أن يفهم القرآن لنفسه، وبين حرمة تفسيره للناس الذي لا نتيحه لغير ذوي الدراية به”(4).
ما تفضلت به الدكتورة في غاية الأهمية؛ التفسير علم قائم بذاته له منهجه وقواعده وضوابطه..، على أساس ذلك يتم التفسير، أما التأويل الذي لا يخضع لذلك؛ فهو فهم يلزم صاحبه دون غيرع، وليس تفسيرا يؤخذ محمل الجد.
مما يفيد أن ما يطلق عليه “الدراسات القرآنية” تشمل التفسير بقواعده وضوابطه، وتشمل الأفهام بناء على خلفيات أخرى؛ علمية، ثقافية، طائفية، أيديولوجية..، إلى غير ذلك مما دون التفسير.
ارتأيت، في هذه الفقرة، أن أعطي المرأة حقها في الظهور العلمي بين الرجال، لا سيما والحديث عن “الدراسات القرآنية المعاصرة” “المعاصرة” وعصرنا يعرف ظهور المرأة في عدة مجالات بشكل ملحوظ وبارز؛ ذلك ما أفرزته محاكاة الحضارة الغربية والتطور السوسيولوجي والمنافسة الوجودية بين الجنسين.
المراجع:
-1، حكت ذلك في برنامج شريط ذكريات مع الصحافي فاروق شوشة، اليوتيوب.
-2، عائشة بنت الشاطئ، التفسير البياني، ص 1/14.
-3، م س، ص 1/18.
-4، عائشة بنت الشاطئ، القرآن والتفسير العصري، ص 45.
#محمد_أومليل_الدراسات_القرآنية_بين_القديم_الحديث