26 أغسطس 2025 / 10:29

أبحاث حول الإسلام والإسلاموفوبيا تثير الجدل في الاتحاد الأوروبي

دين بريس ـ سعيد الزياني
أثار قرار المفوضية الأوروبية بتمويل مشاريع بحثية تتعلق بالإسلام والإسلاموفوبيا نقاشا سياسيا وأكاديميا داخل الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد أن أعلنت أن قيمة هذه المنح تجاوزت 17 يورو، توزعت على مشاريع بحثية متعددة تناولت قضايا الشريعة، القرآن، الشباب المسلم في أوروبا، إضافة إلى الإسلاموفوبيا.

ويمثل هذا القرار توجها استراتيجيا داخل الاتحاد نحو دراسة الظاهرة الإسلامية من زاوية أكاديمية وعلمية، بعيدا عن الأبعاد السياسية المباشرة، إلا أن ردود فعل اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي سلطت الضوء على التوتر القائم بين الاعتبارات الأكاديمية والرهانات الأيديولوجية في أوروبا المعاصرة.

ويتجلى البعد الاستراتيجي لهذا التمويل في كونه يعكس رغبة الاتحاد الأوروبي في امتلاك معرفة علمية متينة حول الإسلام وحضور المسلمين في أوروبا، بما يساعد على صياغة سياسات أكثر توازنا تجاه قضايا الاندماج، الهوية، ومكافحة خطاب الكراهية.

وتم اختيار المشاريع الممولة من طرف مجلس البحوث الأوروبي ERC وفق معايير علمية وتقييم أكاديمي قائم على المراجعة (حسب القائمين على المشروع البحثي)، وهو ما قد يمنحها صفة موضوعية في المجال البحثي، مع محاولة النظر إلى هذا التمويل في إطار بعده العلمي والثقافي، مع ربطه كذلك بالاعتبارات المرتبطة بالسياسات العامة داخل الاتحاد الأوروبي.

لكن ما أثار حفيظة اليمين المتطرف أن هذه المنح وُجِّهت نحو مواضيع يرى فيها فرصة لـ”تطبيع” الحضور الإسلامي في أوروبا أو لتضخيم مشكلة الإسلاموفوبيا، فقد اتهم نواب مثل سيلفيا ساردوني وجان بول جارو هذه المشاريع بأنها تخدم أجندة “نشر الإسلام” أكثر من خدمتها للعلم والمعرفة، وهو خطاب يعكس استمرار التيارات الشعبوية في توظيف الإسلاموفوبيا كأداة سياسية داخل الصراعات الانتخابية الأوروبية.

وتأتي هذه الاعتراضات امتدادا لخطاب شعبوي درجت عليه بعض التيارات اليمينية في أوروبا، يقوم على التشكيك في نزاهة المؤسسات الأوروبية واتهامها بخدمة أجندات عابرة للسيادة الوطنية، بما يعزز النزعة القومية ويثير المخاوف من فقدان الهوية المحلية.

ومن زاوية استراتيجية، تكشف هذه المواجهة عن خط التماس بين الاتحاد الأوروبي كمنظومة مؤسساتية تسعى إلى إرساء خطاب علمي وعقلاني في التعامل مع قضايا الأقليات والدين، وبين تيارات قومية متشددة ترى في ذلك تهديدا للهوية الأوروبية ومبررا لتقوية خطابها الانتخابي.

فالاتحاد الأوروبي بتمويله لهذه المشاريع يسعى لتأكيد التزامه بقيم التعددية وحقوق الإنسان، وإبراز نفسه كحاضن للتنوع الثقافي والديني، فيما يسعى اليمين المتطرف إلى تأكيد سرديته بأن بروكسل منفصلة عن نبض الشعوب وأنها تمارس “هندسة اجتماعية” تهدف إلى إعادة صياغة هوية أوروبا.

وعلى مستوى آخر، يحمل هذا القرار دلالات مرتبطة بالسياسة الخارجية الأوروبية، إذ إن تأكيد المفوضية على الشفافية والصرامة الأكاديمية في تمويل أبحاث حول الإسلام يرسل رسالة إلى العالم الإسلامي بأن الاتحاد الأوروبي لا يتبنى خطاب العداء أو الإقصاء، بل يسعى إلى الفهم والتقارب عبر المعرفة.

وفي سياق يتسم بتصاعد التوترات العالمية، يشكل هذا التمويل أداة قوة ناعمة للاتحاد الأوروبي، يحاول من خلالها إظهار صورته كشريك منفتح لا كخصم حضاري.

غير أن التحدي يكمن في المدى البعيد: فنجاح هذه المشاريع البحثية يقاس بقدرتها على التأثير في السياسات العامة الأوروبية وعلى تغيير التصورات المجتمعية حول الإسلام والمسلمين، فإذا بقيت نتائجها حبيسة المجلات العلمية والمراكز البحثية، فإنها ستفقد قيمتها الاستراتيجية.

أما إذا استطاعت أن تتحول إلى أدوات معرفية يعتمد عليها صانع القرار الأوروبي، فإنها ستشكل رافعة مهمة لتغيير الخطاب السياسي تجاه الإسلام في القارة.

ولن يتوقف اليمين المتطرف بدوره عن استغلال هذه القضايا لتأجيج المخاوف الشعبية من الإسلام والهجرة، وهو ما يجعل من هذا التمويل ساحة مواجهة رمزية بين مشروع أوروبي يدافع عن قيم التعددية، ومشروع قومي شعبوي يسعى إلى إعادة تعريف أوروبا على أسس انغلاقية.

إن ما هو مطلوب هو أن يتخطى دعم الأبحاث حول الإسلام حدود القرار الأكاديمي البحت، ليُعتمد كخيار استراتيجي يسهم في رسم ملامح التوازن بين قيم الاتحاد الأوروبي وتحديات الشعبوية المتصاعدة.

إن تحليل هذه القضية يبرز أن التمويل الأوروبي للأبحاث حول الإسلام قد يعتبر جزء من معركة أوسع حول هوية أوروبا ومستقبلها السياسي والاجتماعي، فإما أن يسهم في تعزيز خطاب العقلانية والانفتاح، أو يتحول إلى وقود جديد لتغذية خطاب الكراهية والانقسام.

وبين هذين الخيارين، يقف مستقبل التعددية الأوروبية على المحك.