محمد أومليل
رجل ذو ذكاء حاد مهتم بالفكر المنهجي والاستراتيجي بالإضافة إلى اطلاعه الواسع بالعلوم النقلية والعلوم العقلية والمناهج الحديثة والمذاهب الفكرية وتعدد الأيديولوجيات بما في ذلك التوجه الماركسي والاشتراكية العلمية وميله للشيوعية والاشتراكية في مرحلة من تاريخه النضالي المتعدد؛ السياسي والنقابي وقد تعرض للاعتقال مرات عدة بحكم مشاركته في التظاهرات والثورات.
رجل سابق لزمانه؛ أثناء حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفيات التي شارك فيها “الإسلاميون” بكثافة بإشارة من الولايات المتحدة؛ حذر أبو القاسم من المؤامرة الأمريكية لإسقاط الاتحاد السوفياتي، فاتهم بالخيانة!
بالإضافة إلى توقعه، قبل تلك الحرب، بسقوط الإتحاد السوفياتي بع ما تخلى عن توجهه الشيوعي ودراسته النقدية للماركسية والفلسفة المادية.
محمد أبو القاسم حاج حمد (2004،1941) سوداني مفكر سياسي استراتيجي وباحث في الدراسات القرآنية والفكر الإسلامي عموما، عمل مستشارا علميا للمعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن، أسس عام 1982 “مركز الإنماء الثقافي” في أبو ظبي، أسس في قبرص “دار الدينونة” لإعداد (موسوعية القرآن المنهجية والمعرفية)، ومجلة (الاتجاه) التي تعنى بشؤون الفكر والاستراتيجيا في نطاق الوسط العربي والجوار الجغرافي.
له عدة مؤلفات، أشهرها:
– العالمية الإسلامية الثانية
– منهجية القرآن المعرفية.
هذان الكتابان خلقا جدالا واسعا حيث تعرضا للنقد من قبل جميع التوجهات بسبب ما ورد فيهما من أفكار جديدة وجد صادمة.
قبل ما يزيد عن عشرين سنة قدم محاضرة، حول كتابه (منهجية القرآن المعرفية) أمام نخبة من أهل العلم والفكر في مائدة مستديرة، يسيرها الدكتور طه جابر العلواني، من ضمن الحاضرين: عبد الوهاب المسيري، محمد عمارة، أحمد فؤاد باشا، علي جمعة، عمر عبيد حسنة، جمال عطية، أحمد فؤاد باشا..، إلى غير ذلك من الأسماء الوازنة في مجال العلم والفكر، وبعد ما انتهى من عرض طرحه المميز والمركز، وجاء دور المداخلات؛ جلهم عبروا عن عدم فهمهم لما طرحه الدكتور أبو القاسم، رغم أنهم توصلوا بالبحث سلفا، بل عاتبوه كونه لم يبسط خطابه؛ غاية في التعقيد ومليء بمصطلحات غريبة. حسب تعبيرهم.
دكاترة يطالبون بالتبسيط!
كان الفرق شاسعا بين توجه معاصر حديث وتوجه تقليدي قديم.
باستثناء عبد الوهاب المسيري هو الذي فهمه واستوعبه وأثنى عليه وتواصل وتفاعل معه بشكل أثرى النقاش!
من ضمن ما طرحه من أفكار في تلك المحاضرة: “إشكالية كيفية التدخل منهجيا بين عالم الغيب وعالم الشهادة، بين جبرية المطلق الغيبي وجبرية الطبيعة، بين الوجودية الذاتية والجدلية الموضوعية، بين التطبيق الرسولي والتطبيق التراثي، ما هو الضابط المنهجي لكل ذلك؟
اشتغل على ذلك أصحاب الفلسفة الوضعية المنطقية التحليلية، والتوجهات الصوفية الفلسفية، والفلسفة الوجودية المعاصرة، فكانت النتائج مختلفة، الحل القرآني يكمن في الجمع بين نظرية الخلق ونظرية التشيء، ورصد السنن الناظمة لهما، بمعزل عن أي تحيز أيديولوجي، ضمن رؤية كلية كونية ووحدة منهجية”.
بالإضافة إلى ذكر مجموعة مصطلحات مثل: “الجبرية المادية، الوجودية الذاتية، الجدلية الذاتية، الجدلية الموضوعية، منطق التلاشي، المركب الجدلي، الجبر المسلب، الغيب المسلب، امتداد موضوعي، المطلق الميكانيكي” (1).
إلى غير ذلك مما طرحه من أفكار ومصطلحات، حاولت أن أذكر بعضها بأسلوبي البسيط كي تصل الفكرة.
منهجه المعتمد منهج مركب سنده مجموعة علوم نقلية وعقلية، لا سيما ما له علاقة بالفلسفة والإبستمولوجيا والتاريخ والسوسيولوجيا والفكر المنهجي والاستراتيجي، معتمدا على فوكو وحفرياته، وهابرماس ومدرسة فرانكفورت، وهيغل وجدليته، وابن خلدون وتحليله..، إلى غير ذلك من العلوم الإنسانية بمعزل عن التوجهات التقليدية التي يغلب عليها الجانب الخرافي. يوضح ذلك قائلا:
” إن من مهمات المنهجية المعرفية القرآنية ألا تتعاطى بعغوية عقلية مع التراث التفسيري الذي يستمد أصوله من الموروث الأسطوري البابلي، وإلا لختلطت المعرفية القرآنية بأساطير الأولين الخرافية وأغلقت دونها قدرات الوعي المنهجية” (2).
بالإضافة إلى تمييزه بين الوحي المطلق ونسبية التلقي: “ومن هنا نميز بالتحديد بين المنهجية القرآنية المطلقة وبين نسبية التلقي البشري وتفاعلاته النسبية على المستوى النفسي والسلوك الاجتماعي” (3).
أغلب أصحاب الدراسات القرآنية المعاصرة يتحلون بالتواضع المعرفي ويؤمنون بنسبية المعرفة، بخلاف أصحاب الدراسات التقليدية مصابون بالدوغمائية والإطلاقية وعدم قابلية الاستدراك الذاتي ورفض كل ما هو جديد وصادم وخارج مألوفاتهم المعرفية.
أغلب الدكاترة الذين لم يستوعبوا أفكار أبو القاسم، بعد مرور ما يزيد عن عشر سنوات، بدأوا يروجون بعض أفكاره (التي قوبلت بالرفض) بحماس منقطع، النظير بما فيهم الأزهري (علي جمعة)، بل أصبحوا رواد التنوير، (محمد عمارة) بالإضافة إلى (طه جابر العلواني) الذي أخذ عنه (الجمع بين القراءتين) مع أنه كان مختلفا معه قبل عشرين سنة، مثالا لا حصرا ممن رفضوا أفكار أبو قاسم سنة 2000!
تلك هي طبيعة من يسبقون أزمتنهم عقليا ومعرفيا.
المراجع:
-1، ندوة منهجية القرآن المعرفية، أ د أبو القاسم حاج حمد، تقديم أ د طه جابر العلواني.
-2، منهجية القرآن المعرفية، ص 129.
-3، م س، ص 162.