23 أغسطس 2025 / 10:53

الدراسات القرآنية بين القديم والحديث: محمد شحرور

محمد أومليل

بقدر ما لديه من خصوم وأعداء أغلبهم؛ أئمة التطرف الديني وأتباعهم، لديه كذلك تلاميذ وأتباع؛ أغلبهم من أهل العلم والفكر والشهادات العليا لهم أنشطة تنويرية متتالية في مواقع التواصل الاجتماعي من ضمنهم مثالا لا حصرا؛ المفكر السوداني ياسر العديرقاوي.
فكره أثار كثيرا من الجدل بين مؤيدين ومعارضين؛ وهذا أمر طبيعي وصحي، لكن، للأسف، الأمر وصل إلى تكفيره وإخراجه من الإسلام ظلما وعدوانا.
محمد شحرور رجل اجتهد بشجاعة قل نظيرها في عصر يسوده التطرف الديني وكل أنواع الجهل والتخلف وكراهية كل ما هو جديد في مجال العلم والفكر، تعرض إلى ظلم متعدد كونه مجتهدا مجددا مبتكرا مناهضا للجهل المقدس مخترقا مجموعة التابوهات!
محمد شحرور (2019،1938) سوري من عائلة متوسطة مسلمة متدينة والده كان تلميذا للشيخ الألباني، تلقى من أبيه مبادئ الإسلام ونصيبا من علوم الشريعة (متمكنا من كتاب الله يستدل به في حواراته عن ظهر قلب بكل يسر وسلاسة)، حاصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية، عين مدرسا في كلية الهندسة المدنية جامعة دمشق، مفكر إسلامي عصامي التكوين قارئ نهم شغوف بالعلوم الحقة والعلوم الإنسانية والاجتماعية، اشتغل على الدراسات القرآنية منذ نكسة 1967، كانت له سببا في البحث عن خلاص الأمة الإسلامية، لا سيما الأمة العربية، من التخلف على أساس اتخاذ القرآن الكريم مرجعا أساسيا للإيمان والعمران.
نتج عن اعتكافه على القرآن الكريم عدة مؤلفات، من ضمنها:
– الكتاب والقرآن قراءة معاصرة؛ اشتغل عليه ما يقرب من عشرين سنة.
– القصص القرآني
– السنة الرسولية والسنة النبوية.
بالإضافة إلى مؤلفات أخرى في مواضيع مختلفة.
منهجه المعتمد، في دراسته القرآنية، لغوي مع التركيز على عدم وجود الترادف في القرآن معتمدا في ذلك على بعض أئمة اللغة العربية مثل: أبي علي الفارسي وابن جني والإمام الجرجاني.
يقول الدكتور جعفر دك الباب، ضمن تقديمه لكتاب محمد شحرور (الكتاب والقرآن)، مبينا المنهج المعتمد لدى محمد شحرور: “تبنى الدكتور شحرور المنهج التاريخي العلمي في الدراسات اللغوية، الذي طرحته لدى دراستي الخصائص البنيوية للعربية، في ضوء الدراسات اللسانية الحديثة. لقد استنبط أسس ذلك المنهج من اتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية”.
نظرية عدم وجود الترادف تبناها العديد من علماء اللغة العربية، من ضمنهم: ابن فارس، أبو هلال العسكري، ابن الأبناري، أبو منصور الثعالبي..، مثالا لا حصرا..
جل ما وصل إليه محمد شحرور من أفكار صادمة؛ كان نتاج نظرية عدم الترادف في اللغة العربية بشكل عام، والقرآن على وجه الخصوص.
على أساس تلك النظرية تم التمييز بين (“الكتاب”، “القرآن”، “الفرقان”، “الذكر”)؛ كل كلمة لها معنى خاص.
وعلى أساسها تم التمييز كذلك بين (“السنة الرسولية” و”السنة النبوية”).
بالإضافة إلى الكثير من الكلمات، التي يعتقد البعض أنها مترادفات ولها معنى واحد، مثل (الروح/النفس)؛ لا يندرجان ضمن الترادف، كذلك؛ (الفؤاد/القلب)، (الرسول/النبي)، (الحدود/العقوبات)، (الإنزال/التنزيل)، (بشر/إنسان)، إلى غير ذلك مما يعتقد أنه من الترادف.
منذ قرون والمسلمون، عامة ونخبة، يعتقدون أن “القلب” موضعه الجانب الأيسر من الإنسان، حتى جاء شحرور ورصد، في القرآن، أن القلب موضعه الرأس وهو ما يصطلح عليه ب “الدماغ”. لنستمع إليه: “أما قوله: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )؛ فهنا الصدور لا تعني صدر الإنسان الذي يحتوي على العضلة القلبية.. فالصدر هنا أبرز شيء في الإنسان وهو الرأس الذي يحتل مركز الصدارة بين أجزاء الإنسان”(1).
مستدلا بأن كل وظائف “الدماغ” نسبت ل “القلب” في القرآن مختزلة في وظيفتين أساسيتين ورد ذكرهما في القرآن؛ الجانب العاطفي والجانب الإدراكي (الغلظة، القسوة، الطمئننة، السكينة، التعقل، التفقه، التدبر)، إلى غير ذلك مما يتفرع عن العاطفة والإدراك.
كتاب: (الكتاب والقرآن) غني بأفكار جديدة وأغلبها صادمة.
وكذلك “الروح” كان المسلمون يعتقدون أنها سر الحياة، مع أن القرآن ورد فيه أن “النفس” هي سر كل كائن حي، أما “الروح” فهي خاصة بالإنسان دون غيره، وهي سر ما يصدر عن الإنسان من علوم وإبداعات وعمران وبسبب وجودها في الإنسان هو مكلف ومسؤول عما يصدر عنه من أفعال.
كل ذلك، وغيره، تم رصده من قبل المفكر الإسلامي الدكتور محمد شحرور!
الكتاب من الحجم الكبير يحتوي على 800 صفحة، يتكون من أربعة أبواب، وكل باب يتضمن عدة فصول، ومقدمة وخاتمة.
– الباب الأول: الذكر
– الباب الثاني: جدل الكون والإنسان
– الباب الثالث: أم الكتاب والسنة والفقه
– الباب الرابع: في القرآن.
قام بتقديمه الدكتور جعفر دك الباب؛ سوري لغوي أستاذ جامعي مؤلف ومترجم عن اللغة الروسية في علم اللسانيات.
بسبب أفكاره الصادمة تعرض محمد شحرور للتكفير واتهامه بإنكار السنة وفصله الدين عن الدولة؛ كل ذلك تهم باطلة لا أساس لها من الصحة.
كفروه بدعوى: “جعل من نفسه شريكا لله في التشريع”.
والتشريع في نظرهم كل ما له علاقة بالسلف حصريا!
هم لا يميزون بين “شرع الله” الذي أساسه آيات محكمات، الثابت إلى يوم القيامة غير قابل للتبديل والتجاوز والتعطيل، وبين “الفقه البشري” الذي أساسه الظن قابل للاختلاف والنقد والاستدراك والتفنيد والتعديل والتجاوز.
ما يقوم به محمد شحرور يندرج ضمن “الفقه البشري”.
يعبر عن ذلك ب:”المطلق الإلهي في المحتوى (يقصد القرآن) والنسبية الإنسانية في فهم المحتوى”(2).
محمد شحرور ينفي فصل الدين عن الدولة بشكل واضح، بل خصص فقرة في كتابه لتوضيح موقفه، بعد ما تحدث عن أسباب ظهور الدولة العلمانية في الغرب قال: “أما بالنسبة للدين الإسلامي فهو دين حنيفي منسجم مع الفطرة الإنسانية ويعتمد على التشريع الإنساني ضمن حدود الله”(3).
ويضيف مجموعة أسئلة استنكارية، من ضمنها: كيف يتم فصل الدولة عن العلم والحق والأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وكل ذلك من صميم الدين؟!
كونه يرفض السنة لا أساس له من الصحة، بل هو، فقط، يميز بين “السنة الرسولية” الملزمة، وبين “السنة النبوية” غير ملزمة لنا بكل حذافيرها، يدلل على صحة ذلك من خلال القرآن الكريم بتفصيل دقيق، من ضمن ذلك أن الطاعة والاتباع والتأسي ورد في القرآن الكريم ضمن سياق الحديث عن “الرسول”، وليس عن “النبي”. وفي المقابل وردت في القرآن الكريم عدة استدراكات في حق “النبي”، ولم ترد البتة في حق “الرسول”(4).
وقد ألف في ذلك كتابا تحت عنوان: “السنة الرسولية والسنة النبوية”.
ويضيف موضحا موقفه من الحديث: “ويبقى أن أتمنى على القارئ أن يفهمني بدقة ولا يظن اننا نرد الحديث النبوي معاذ الله.. ولكننا ندعو إلى إعادة فهم الحديث”(5).
هو نفسه استدل في كتابه بعشرات الأحاديث النبوية!
هم لا علم لهم بذلك التمييز في “شخص “المصطفى البشر”، “المصطفى النبي”، “المصطفى الرسول”؛ هذا الأخير محل عصمة وطاعة واتباع وتأسي.
اجتهادات محمد شحرور، كباقي اجتهادات أهل العلم والفكر، يؤخذ منها ويرد وقابلة للنقاش والنقد والاستدراك.
لكن، كما هو معلوم سوسيولوجيا، التدافع الاجتماعي بين أنصار القديم وأنصار الجديد قانون سوسيولوجي لا يمكن تجاوزه، بل وجودهما الاثنين ضروري لسلامة المجتمع، من الركود والانحلال، ونموه وتطوره دون إفراط في الحفاظ على ما هو قديم ولا تفريط في الحصول على ما هو جديد.
المراجع:
-1، ص 273.
-2، ص 36.
-3، م س، ص 720.
-4، م س، ص 549 وما بعدها.
-5، م س، ص 554.
#محمد_أومليل_الدراسات_القرآنية_بين_القديم_والحديث