19 أغسطس 2025 / 18:44

المغرب وإسبانيا في مواجهة تحديات الجيل الرقمي للتطرف

دين بريس ـ سعيد الزياني
عرفت إسبانيا منذ مطلع عام 2025 ارتفاعا غير مسبوق في معدلات الاعتقال المرتبطة بمكافحة التطرف، حيث سجلت السلطات توقيف 81 شخصا حتى منتصف غشت، وهو نفس العدد الذي جرى تسجيله خلال عام 2024 بأكمله.

ويلمح هذا التطور إلى تحول نوعي في المقاربة الأمنية الإسبانية التي باتت تعتمد بشكل أكبر على نهج استباقي يركز على ما يسمى بـ”الأمن الوقائي”، من خلال تنفيذ عمليات واسعة تهدف إلى إحباط أي نشاط محتمل قبل أن يتحول إلى تهديد فعلي.

وتشير المعطيات الرسمية إلى أن الأجهزة الأمنية نفذت خلال هذه الفترة 48 عملية لمكافحة الإرهاب، في إشارة واضحة إلى تنامي مستوى اليقظة والجاهزية.

وإذا ما استمر هذا النسق، فمن المرجح أن يتجاوز عدد المعتقلين مع نهاية العام الجاري حاجز المائة، وهو ما سيجعل 2025 من أكثر الأعوام كثافة في هذا المجال منذ تفجيرات مدريد عام 2004، التي شكلت نقطة تحول كبرى في مقاربة الدولة الإسبانية لملف التطرف والإرهاب.

وتبرز كاتالونيا كبؤرة مقلقة في هذا السياق، إذ شهدت لوحدها ما يقارب ثلث مجموع الاعتقالات، بواقع 24 حالة، بينها عشر في مدينة برشلونة، هذا التركز يعكس طبيعة الخصوصية الاجتماعية والسياسية للمنطقة التي كثيرا ما ارتبطت في السنوات الماضية بأنشطة تجنيد وشبكات سرية.

على خلاف ذلك، لم يتجاوز عدد الموقوفين في العاصمة مدريد ثلاثة أشخاص فقط، ما يعزز الانطباع بأن الخطر لا يتوزع بشكل متوازن بين مختلف الأقاليم.

ويرى خبراء مكافحة الإرهاب أن هذا الارتفاع في الأرقام لا يعني بالضرورة وجود زيادة موازية في مظاهر التطرف أو توسع حقيقي في القاعدة الاجتماعية للتيارات المتشددة، وإنما يعكس بالأساس صرامة أكبر في الاستراتيجية الأمنية الإسبانية.

وتقوم المقاربة الجديدة على التحرك المبكر لتفكيك أي خلية مشتبه بها أو إحباط أي محاولة تجنيد عبر الفضاء الرقمي أو المساجد غير الرسمية، مع مراقبة دقيقة للروابط العابرة للحدود التي يمكن أن تغذي هذه الظواهر.

ويتقاطع هذا التحول مع تعزيز غير مسبوق في التنسيق الأمني والاستخباراتي مع المغرب، الذي يعد شريكا أساسيا لإسبانيا في مواجهة التهديدات الإرهابية، فقد أثبتت الأجهزة المغربية الداخلية والخارجية جدارتها في تزويد مثيلاتها الإسبانية بمعلومات دقيقة ساهمت في تفكيك خلايا خطيرة وإحباط مشاريع إرهابية.

هذا التعاون، الذي راكم رصيدا من الثقة بين الطرفين، يشكل اليوم أحد الأعمدة الرئيسية لاستراتيجية الأمن الوقائي، حيث باتت مدريد تراهن بشكل متزايد على الخبرة المغربية في رصد وتتبع الشبكات العابرة للحدود.

وتظل ظاهرة “الذئاب المنفردة” من أبرز التحديات، إذ يصعب التنبؤ بتحركات الأفراد الذين يستلهمون دعايات رقمية متطرفة ويقررون التحرك بشكل فردي.

كما يثير ملف عودة المقاتلين الأجانب قلقا متزايدا، خاصة مع استمرار بؤر التوتر في بعض مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا، يضاف إلى ذلك ما يسميه الخبراء “الجيل الرقمي للتطرف”، حيث تستهدف الدعاية الإلكترونية الفئات العمرية الصغيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يضاعف من صعوبة المواجهة.

وتطرح هذه التطورات إشكالا عميقا يتعلق بالتوازن بين حماية المجتمع وصيانة الحقوق الفردية، فبينما ترى الدولة أن رفع مستوى الاعتقالات والعمليات الاستباقية يشكل ضرورة لحماية الأمن القومي ومنع تكرار سيناريوهات مأساوية، يحذر بعض الحقوقيين من أن تشدد المقاربة قد يؤدي إلى انتهاك الحريات أو استهداف مجتمعات بعينها، وهو ما قد تكون له تداعيات عكسية على السلم الاجتماعي.

يبدو أن إسبانيا مقبلة على مرحلة أكثر تعقيدا في إدارة ملف التطرف، حيث يتعين عليها الجمع بين فعالية العمل الأمني الصارم، وضمان حماية الحقوق المدنية، والانخراط في معالجة عميقة لجذور الظاهرة بما يشمل الإدماج الاجتماعي والتربية على قيم المواطنة والتعايش.

ويظل التنسيق الأمني مع المغرب ورقة حاسمة لمواجهة التحديات المشتركة، إذ يمثل التعاون الاستخباراتي بين الرباط ومدريد نموذجا في فعالية تبادل المعلومات ودقة المقاربة الاستباقية التي قلصت من المخاطر العابرة للحدود وحافظت على استقرار الضفتين.