يعتمد المغرب مقاربة شاملة جعلته في مصاف الدول الرائدة في محاربة الإرهاب، بعدما حول مأساة تفجيرات الدار البيضاء سنة 2003 إلى نقطة انطلاق لبناء استراتيجية متكاملة تتجاوز الحلول الأمنية الظرفية. فبدل الاقتصار على المقاربة الصلبة، اختارت المملكة معالجة الظاهرة في أبعادها القانونية والأمنية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، في محاولة لضمان توازن يجمع بين الحزم والوقاية والإدماج.
فعلى المستوى التشريعي، أقر المغرب قوانين صارمة تجرم الأفعال الإرهابية وتشدد العقوبات على المتورطين في تمويلها أو التحريض عليها، مع تعزيز آليات مكافحة غسل الأموال وتدقيق المراقبة المالية وفق المعايير الدولية. أما أمنيا، فقد أنشئ المكتب المركزي للأبحاث القضائية كجهاز متخصص في تفكيك الخلايا الإرهابية، واستطاع بفضل سياسة استخباراتية استباقية إحباط عشرات العمليات قبل وقوعها، ما أكسب المملكة سمعة كشريك موثوق إقليميا ودوليا.
وفي موازاة ذلك، عملت الدولة على إعادة هيكلة الحقل الديني لتجفيف منابع التطرف، حيث جرى تأطير الفتوى في مؤسسات رسمية، وتكوين أئمة ومرشدين ومرشدات في معاهد متخصصة، مع تفعيل دور المجلس العلمي الأعلى والرابطة المحمدية للعلماء لترسيخ خطاب وسطي منفتح، قائم على الاعتدال ورفض الغلو والتكفير.
ولم تغفل المقاربة المغربية البعد الاجتماعي، إذ أطلقت مشاريع تنموية كبرى، أبرزها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، للحد من الهشاشة وتحسين شروط العيش الكريم. كما اعتمدت برامج لإعادة تأهيل نزلاء قضايا الإرهاب داخل السجون، عبر التربية الدينية والتعليم والتأهيل النفسي، إلى جانب إصلاح المناهج التعليمية بغرض ترسيخ قيم التسامح والانفتاح والتفكير النقدي.
وبما أن الإرهاب ظاهرة عابرة للحدود، انخرط المغرب في تعاون واسع مع محيطه الإقليمي والدولي، عبر اتفاقيات متعددة الأطراف وتبادل للمعلومات الاستخباراتية، فضلا عن انضمامه إلى التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، في تعبير عن إيمانه بأهمية العمل الجماعي لمواجهة هذا التهديد.
بهذه الرؤية المتكاملة، استطاعت المملكة أن تقدم نموذجا متوازنا يجمع بين الحزم والعدالة والتنمية والكرامة، مؤكدة أن محاربة الإرهاب ليست مجرد معركة أمنية، بل مشروع وطني لحماية الإنسان وضمان السلم والاستقرار.