15 أغسطس 2025 / 11:01

الدراسات القرآنية بين القديم والحديث: محمد إقبال

محمد إقبال
من يذكر “محمد إقبال” يتذكر الشاعر والفيلسوف صفتان كانتا لصيقتين باسمه، كان له بهما تأثير قوي على العجم والعرب، ترجم شعره وفلسفته إلى عدة لغات؛ عربية، إنجليزية، إسبانية، ألمانية، صينية، يابانية.
محمد إقبال (1938،1877) مسلم سني ولد في باكستان، قبل أن تنفصل عن الهند، من أسرة ميسورة والده كان من أهل العلم والتقوى والورع والتصوف، تدرج في طلب العلم فتخصص في الآداب ثم انتقل إلى الفلسفة فحصل على شهادة الدكتوراه تحت إشراف الأستاذ (توماس آرلوند) بجامعة ميونخ في ألمانيا عنوان أطروحته “تطور الميتافيزيقا في بلاد فارس”. يتقن عدة لغات؛ البنجابية، الأردية، الفارسية، الانجليزية، الألمانية، العربية..، كان متأثرا بأبيه وجلال الدين الرومي وبن عربي وجبران خليل جبران وسيد أحمد خان، وأستاذه توماس آرنولد ونيشته وغوته وبرجسون.
كان يجول العالم في طلب العلم والحكمة ونشر الإسلام بأسلوبه المتميز كونه خلوقا مهذبا محاورا جيدا التقى بعدة شخصيات بارزة في مجال السياسة والفلسفة، مثل موسوليني وهايدغر؛ على هذا الأساس عرضت عليه وظيفة سفير فرفض واختار أن يكون شاعرا فيلسوفا داعية للإسلام. له عدة نظريات، من ضمنها؛ “التلقي المباشر”، “الفلسفة الذاتية”، “ختم النبوة”. منهجه المعتمد في تعامله مع القرآن يركز على شرح القرآن من داخله، مع قدر من العقلانية والنزعة الصوفية والبعد الإنساني والتفسير الفلسفي.
من ضمن المصطلحات التي قام بنحتها: “الثيوصوفية” ويقصد بها (الحكمة الإلهية)؛ يطلقه على التصوف العملي. وكذلك مصطلح “خودي” كلمة فارسية يقصد بها (الذات).
ترك عدة مؤلفات، في الشعر والتربية والفلسفة والاقتصاد والسياسة والفكر الإسلامي، على رأس تلك المؤلفات: “تجديد الفكر الديني”؛ انتشر في كثير من بلدان العالم عربا وعجما، ترجم إلى عدة لغات، تضمن نظرياته الثلاث وتناولها بالتفصيل.
– نظرية التلقي المباشر
يقصد بها تلقي القرآن كأنه يخاطبه هو شخصيا وحصريا؛ وصية تلقاها محمد إقبال عن أبيه كان من رجال العلم والتصوف (1).
يعبر عن ذلك في كتابه الشهير “تجديد الفكر الديني”:
” لا يمكن فهم القرآن الكريم فهما صحيحا إلا إذا استشعر المؤمن كأن القرآن يتنزل عليه هو شخصيا كما كان يتنزل على النبي “(2).
لا يقصد ذلك بالمطلق دون قيد، بل في الأمور التي تندرج ضمن الوصايا والتعاليم والأوامر والنواهي وفي ما له علاقة بالله تعالى، وبذاته، وبخلق الله؛ علاقة طاعة ومراقبة وخشوع وتقوى وورع وعدل وإحسان.
نظريته “التلقي المباشر” تجمع بين الفكر والعمل مغلبا الثاني على الأول: “يؤكد القرآن على العمل أكثر من تأكيده على الفكر “(3).
ارتباط محمد إقبال بالقرآن الكريم ليس انتقائيا، بل ارتباط شمولي وجودي مصيري يحتل جميع مجالات حياته واهتماماته وأنشطته لا سيما في الشعر والفلسفة والدعوة فضلا عن أخلاقه وسلوكه ومعاملته الحسنة مع الأقرب والقريب وكل مستويات الصحبة والزمالة والرفقة العابرة.
– نظرية الفلسفة الذاتية
تشربها من القرآن الكريم بخلفية غربية إيجابية (الفردانية وحقوق الإنسان)؛ أساسها تعظيم شأن “الإنسان” واحترام آدميته وكرامته وحريته واختياراته وطموحه في تنمية ذاته وتقييمها وتقويمها تربية وتعليما وتأطيرا، بالإضافة إلى دوام مراقبة الذات تحت يقظة “النفس اللوامة”.
تعتبر “الفلسفة الذاتية” (ويطلق عليها إقبال كذلك “الخودي”)؛ محور فكره تؤكد على ضرورة اكتشاف الذات والوعي بها من خلال عملية النقد الذاتي، فالفرد مستقل بذاته ولا أحد له حق التسلط عليه وممارسة الوصاية والحجر على عقله وتفكيره واختياراته الخاصة به بما في ذلك التجربة الدينية والروحية.
ويوصي بأن يكون بناء الذات على مستوى اليقين بمعزل عن الشك الفلسفي وعن التلقين التقليدي.
” وطالما أن تشكيل حياة الإنسان الجوانية والبرانية وهدايتها هي الهدف الأساسي للدين، فمن الواضح أن الحقائق التي ينطوي عليها لا يصح أن تبقى متأرجحة غير مستقرة، فلا أحد يخاطر بالعمل على أساس من مبدأ سلوكي مشكوك فيه “(4).
– ختم النبوة
النظرية الأخيرة لا يقصد بها إقصاء التأسي ب”السنة النبوية”، بل يعني ب “ختم النبوة”؛ توقف تدخل الوحي السماوي بشكل مباشر موجها ومرشدا من قبل الأنبياء نبي تلو الآخر..، هذا النهج في التوجيه انتهى وتوقف ب “ختم النبوة” تزامن ذلك مع نضج العقل البشري نتاج تاريخ بشري طويل منذ آدم إلى خاتم الأنبياء المصطفى صلى الله عليه وسلم، طيلة ذلك التاريخ الطويل؛ كانت البشرية تحت توجيه الوحي السماوي بواسطة أساتذة البشرية أنبياء الله صلوات الله عليهم وسلامه.
الآن، بعد “ختم النبوة” وجب على الإنسان اعتماده على نفسه من خلال إعمال العقل في حدود توصيات عامة المسطورة في القرآن الكريم؛ هو نفسه يحث على إعمال العقل والنظر والاعتبار والاستبصار وضرورة القراءة والتعلم والتفكر والتفقه والسير في الأرض ورصد السنن الربانية الناظمة للآفاق والأنفس.
“إن الهدف الأساسي للقرآن هو أن يوقظ في الإنسان وعيا أسمى بعلاقاته المتشعبة بالله وبالكون”(5).
ذلك ما أعلن عليه القرآن في أول ما نزل من القرآن؛ أمر بقراءة مزدوجة تجمع بين قراءة كتاب الله المسطور وقراءة كتاب الله المنظور؛ الأول مصدر الهداية في قواعدها العامة، والثاني مصدر السنن الناظمة للآفاق والأنفس (قوانين الطبيعة).
قال تعالى: “اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم”.
حسب رأي بعض الباحثين: أكثر ممن استفادوا من تلك النظريات؛ العجم، أما العرب فحظهم من ذلك قليل جدا نظرا لعوامل ذاتية فردية، وعوامل موضوعية سياسية اجتماعية ثقافية، باستثناء قصيدة “حديث الروح” التي صارت اغنية أدتها السيدة أم كلثوم، بالإضافة إلى القلة القليلة الشغوفة بفكره وشعره وفلسفته ونزعته الصوفية.
باختصار شديد، ذلك ما يقصد به الفيلسوف محمد إقبال بنظرياته الثلاث، التي صاغها بشاعرية راقية ونزعة صوفية ومستوى إنساني عال في قالب فلسفي بين التعقيد والتبسيط، ليس شرحا كافيا بقدر ما يشبه الإثارة والتحفيز على التوسع والرجوع إلى كتابه القيم: “تجديد الفكر الديني” يتضمن تفصيل تلك النظريات الثلاث.
المراجع:
-2،1، محمد إقبال، تجديد الفكر الديني، ص 304.
-3، م س، ص 9.
-4، م س، ص 14.
-5، م س، ص 26.