8 أغسطس 2025 / 15:02

إشارات في قراءة السيرة النبوية

محمد زاوي

أغلب الكتب المنتشرة والرائجة في السيرة النبوية لا تنفك تتحدث عن مرحلة ما قبل الوحي بنوع من العموم الذي لا يخلو من تفاصيل شخصية عن الولادة واليتم والرضاع في بني سعد والتطهير القلبي والتكفل من قبل الجد والعم وأخلاق الأمانة والصدق والزواج الأول (بخديجة ض) ومسؤولية التجارة والاستعداد للوحي بالعزلة؛ تمر أمامنا هذه الأحداث مر السحاب دون سؤال عن تفاصيلها وجزئياتها، ودون تمييز بين مرحلتين: ما قبل الزواج بخديجة، وما بعده. والحقيقة أن هذا الزواج منح النبي (ص) فرصتين لا تخلوان من أهمية:

-تعميق معرفته التوحيدية الحنفية (التي كانت معروفة بأصحابها الحنفاء ومنهم جد النبي عبد المطلب) مع ابن عم خديجة النصراني ورقة بن نوفل العارف بشؤون ومسائل الدينية النصرانية، بما فيها خصائص الأنبياء ومميزاتهم وبشرى عيسى (س) بنبي يأتي بعده.

-تعميق معرفته السياسية والاجتماعية والاقتصادية من خلال الأسفار التي كان يخوضها مشرفا على تجارة خديجة بنت خويلد (ص) وقائما بشؤونها.. وقد كانت هذه الأسفار فرصة لمعرفة الشؤون الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للأقطار المحيطة بالحجاز عبر ساكنيها وتجارها (كما هو حال الشام) أو القادمين منها تجارا وعاملين (كما هو حال اليمن وبلاد فارس).

(خليل عبد الكريم، فترة التكوين في حياة الصادق الأمين)

المعرفة الأولى كانت بمثابة تأهيل ذهني ونفسي وروحي/ وجداني، أما الثانية فقد كانت بمثابة تأهيل اجتماعي وسياسي/ تاريخي.. وإذا كان النبي قد استفاد من المعرفة الأولى في مكة، فقد ادخر الاستفادة من المعرفة الثانية في المدينة.. هل ينفي هذا وجود وحي؟! الحديث هنا عن المؤهلات الخارجية، خارج المضمون “المعرفي/ العرفاني” للوحي، والذي سنتحدث عنه لاحقا. لكل وحي قابلية نفسية وتاريخية، إغفالها يخفي الوحي في ركام من العوامل البشرية. أولئك الذين يرفضون الخوض فيها لا يحفظون الوحي ولا يدافعون عنه، بل يطمرونه في ركامها.

(يتبع)