محمد أومليل
قامة علمية وشخصية بارزة ومؤثرة في مجال العلم والمعرفة والترجمة سوري من مواليد سنة 1939 توفي سنة 2016 من أسرة مسيحية أرثدوكسية مفكر فيلسوف لغوي كاتب صحفي مترجم تخصص في النقد الأدبي والتحليل النفسي وفي العقدين الأخيرين من عمره خصصه للإسلاميات بما في ذلك “نقد نقد العقل العربي” في عدة أجزاء مضمونه نقد مشروع محمد عابد الجابري.
له عشرات المؤلفات متعددة الموضوعات والتوجهات؛ فكر، فلسفة، نفس، أدب، إسلاميات..، بالإضافة إلى ما يزيد عن ثلاثين كتابا مترجما إلى اللغة العربية في نواحي متنوعة ضمن مجال العلم والمعرفة، لا سيما كتب سيجموند فرويد وماركس وانجلز وستالين وتروتسكي وروجيه غارودي وهيغل..، وأسماء أخرى مثل: هربرت ماركوزة نيكولاس بوخارين وباسيتش بيتشوليتش والكسندرا كولو نتاي وكلارا زتكين وجورج بليخانوف..، إلى غير ذلك من أهل العلم والمعرفة والفلسفة..
أما باقي المؤلفات فهي كثيرة ومتعددة سأقتصر على ذكر ما له علاقة بالإسلاميات والقرآن الكريم:
– العقل المستقيل في الإسلام
– مذبحة التراث في الثقافة العربية
– المثقفون العرب والتراث
– المعجزات أو سبات العقل في الإسلام
– من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث.
أما منهجه المعتمد، لا يختلف عن مناهج العلمانيين المهتمين بالإسلاميات والقرآن الكريم، منهج متعدد: نقدي تاريخي، لغوي، تحليلي..، إلى غير ذلك من المناهج الحديثة.
أهم ما كتبه حول الإسلاميات والقرآن الكريم: (من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث)؛ صدر سنة 2010، عدد صفحاته: 644، يتضمن: ثمانية فصول:
1 الله والرسول: الشارع والمشرع له
2 من النبي الأمي إلى النبي الأممي
3 مالك بن أنس: هامش من الحرية
4 الشافعي: تكريس السنة
5 أبو حنيفة: من الرأي إلى الحديث
6 ابن حزم: وثنية النص
7 العقل التخريجي
8 انتصار أهل الحديث.
ثم خاتمة.
الفهرسة دالة على محتوى الكتاب ومدى أهمية تلك العناوين الكبرى!
كل من له علم بالدراسات الإسلامية وقرأ هذا الكتاب دون أن يعرف كاتبه؛ سوف يعتقد جازما أن كاتبه فقيه متضلع في الفقه المقارن!
الفكرة الجوهرية والأساسية من الكتاب؛ محورية القرآن الكريم وجعله مقدما على الحديث وحكما عليه، وضرورة الرجوع إليه.
ركزا كثيرا على أن المشرع هو الله وحده، أما الرسول فليسا مشرعا، إنما هو مبلغ عن ربه ومبين فقط؛ مستدلا بعدة آيات قرآنية.
في آخر صفحة من الكتاب، ما قبل الخاتمة، يربط تخلف المسلمين وانحطاطهم بأسباب متعددة على رأسها تغييب القرآن، يقول حرفيا:
” ولنختصر فنقول: إن تغييب القرآن وتغييب العقل وتغييب التعددية في الإيديولوجيا الحديثية المنتصرة؛ هو المسؤول الأول عن أفول العقلانية العربية الإسلامية، وعما قاد إليه هذا الأفول من انغلاق ذهني وحضاري أنهى العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية ليدخلها إلا الانحطاط الطويل “.
الكتاب لا يخلو من صدمات وتفنيد بعض المألوفات المعرفية من ضمن الآراء المتلقاة دون تبين وغربلة بحكم غلبة التلقين والتلقي الطوعي والتقليد والتكرار والاجترار.
من ضمن ذلك؛ التمييز بين “رسول” مبلغ عن ربه معصوم من الخطأ، وبين “نبي” يجتهد فيصيب ويخطئ؛ مستدلا على ذلك بكم هائل من الآيات القرآنية.
رصد تهافت المنظومة الحديثية وعدم تماسكها المنهجي وكثرة اختلافاتها وتناقضاتها وخرافتها وأوهامها، ورغم ذلك انتصرت على مدرسة الرأي وإعمال العقل.
الشافعي من كرس “السنة” وانتصر لها وجعلها من الوحي المنزل من قبل الله.
الأوزعي ذهب إلى أن “السنة جاءت قاضية على الكتاب ولم يجيء الكتاب قاضيا على السنة ” الإمام الأوزعي-مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة، للسيوطي.
هكذا استهل طرابيشي كتابه بالإضافة إلى هذه المقولة:
” اعلم أن الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام، ولا يقوم أحدهما إلا بالآخر” الإمام أبو الحسن-كتاب شرح السنة.
إلى غير ذلك مما هو صادم لمألوفاتنا المعرفية المتلقاة عن طواعية دون مساءلة وتبين وغربلة علمية.
المثير في الكتاب، بالنسبة لي وحسب علمي بالحديث والفقه، ما ورد في الكتاب من أحاديث لم أسمع بها من قبل، على سبيل المثال لا الحصر: حديث:
” تفرق أمتي على سبعين أو إحدى وسبعين فرقة كلهم في الجنة إلا فرقة واحدة “!
وذكر الحديث الآخر: “كلها في النار إلا واحدة”؛ ثم ذكر رأي ابن الجوزي أن الحديثين يندرجان ضمن الأحاديث الموضوعة!
إلى غير ذلك من الرصد والتنقيب في كتب الحديث والفقه!
مما هو صادم كذلك؛ السائد عندنا أن أبا حنيفة من أصحاب الرأي، بالنسبة للطرابيشي؛ الإمام مالك هو المتوسل بالرأي وإعمال العقل بدرجة عالية!
إلى غير ذلك من الصدمات؛ صدمات بالنسبة لي شخصيا حسب علمي المتواضع.
مع كل ما تقدم ذكره، فقد اختلفت معه في ما ورد صمن الفصل الثاني: “من النبي الأمي إلى النبي الأممي”.
نفى فيه كون النبي مبعوثا للعالمين وللناس أجمعين!
الموضوع استغرق الكثير من الصفحات محاولا تفنيد كونية رسالة الإسلام، من ضمنها ما يلي:
” ثم إن الطبري، بتأويله كلمة الناس، بأنها تعني “الناس أجمعين، العرب منهم والعجم”، يخالف المعنى المعجمي لهذه الكلمة “.
نعذر الطرابيشي، رحمه الله، كونه لا علم له ب “علم المصطلح القرآني”(1)، الذي أسس مؤخرا، له منهجه من ضمن عناصره الأساسية:
– عدم وجود الترادف في القرآن الكريم
– الاعتماد على الاستقراء داخل القرآن
– مراعاة السياق.
استنادا على “علم المصطلح القرآني” مصطلح “الناس” يفيد الناس قاطبة، وليس العرب وحدهم كما اعتقد طرابيشي، نذكر بعض الأمثلة من القرآن:
” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى “.
” يا أيها الناس كلوا مما في الأرض..”
” تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء “.
” كان الناس أمة واحدة..”
” ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه “.
واضح أن معنى “الناس” يفيد العموم لا الخصوص، وما ينطبق على “الناس” ينطبق كذلك على “العالمين”.
” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين “.
والأدلة على ذلك كثيرة.
بالإضافة إلى ما ورد في القرآن من قيم أخلاقية نبيلة، وسنن ربانية ناظمة للأفاق والأنفس، وزنا المحارم..، كل ذلك يندرج ضمن “الكونية” و”العالمية”.
ورغم ذلك ينفي طرابيشي العالمية عن القرآن:
” والواقع أن دعوى “الأممية” بمعنى “العالمية” لن تغلب على اللاهوت الإسلامي.. إلا في سياق التحول التاريخي والجغرافي الكبير من إسلام الرسالة إلى إسلام الفتوحات “(2).
مرد نفيه عالمية القرآنية يرجع إلى كونه نشأ وتربى ضمن أسرة مسيحية أرثودكسية متشددة، فإذا هو اقتنع بعالمية القرآن فبالضمن ينفي ما تربى عليه وهذا لا يمكن الاعتراف به كون المعتقد راسخ في العقل الباطن مثله مثل مجموعة قيم وعادات..، وغير ذلك مما يتلقاه المرء منذ ولادته ونشأته. الدليل على ذلك؛ بعض الملاحدة المغاربة، تحديدا، يرددون: إن شاء الله، الله يرحمه الله، عظم الله أجرك..، إلى غير ذلك مما هو راسخ في العقل الباطن منذ عقود وبدءا من الطفولة.
رحم الله جورج طرابيشي كانت بعض كتبه من المصادر التي ساعدتني على اقتحام عملية الاستدراك منذ ما يقرب من عشرين سنة ولم أنته منها بعد.
ولله الحمد من قبل ومن بعد.
المراجع:
-1، جورج طرابيشي، من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث، ص 97.
-1، المرجع نفسه، ص 90.