محمد أومليل
تحدثنا في الفقرات السابقة عن “الاستشراق”؛ المراد به: الاطلاع، من قبل الغرب، على ما عند الشرق العجمي والعربي من عقائد وتدين وعادات وتقاليد وثقافات وأدب..، لأهداف مختلفة إما علمية بحتة محمودة، أو استعمارية كيدية تخريبية مذمومة.
وتحدثنا عن “الاستغراب”، مقابل “الاستشراق”، المراد به الاطلاع، من قبل العرب، على ما عند الغرب حول ما تقدم ذكره أعلاه..، من أجل رصد مواطن القوة ومواطن الضعف ورصد فكرهم الاستراتيجي ومكايدهم وخططهم ضد العرب والمسلمين.
فقرة اليوم حول “الاستعراب الياباني”، الاستعراب، بشكل عام، المراد به امتلاك اللغة العربية من قبل عجمي من أجل الاطلاع على ما عند العرب تحديدا من معتقدات وثقافات بغية حسن التواصل وكل ما هو محمود.
كل اطلاع باللغة العربية على ما عند العرب، تحديدا، من معتقدات وثقافات؛ فهو يندرج ضمن “الاستعراب” بغض النظر عن جنسية المستعرب.
لذا، المستعربون هم من جنسيات متعددة، اقتصرنا على الياباني فحسب.
“الاستعراب الياباني” يهتم بعدة مجالات لدى العرب، من ضمنها “الدراسات القرآنية”، المستعربون اليابانيون هم كثر، وليسوا سواء من حيث الاهتمامات والميولات حول الدراسات العربية، سوف أركز على ما له علاقة بالدراسات القرآنية،
ومن أبرز اليابانيين الدارسين للقرآن:
– كيوشيرو سجيموتو (يلقب بالحاج) الذي اعتنق الإسلام سنة 1997 وتفرغ لترجمة معاني القرآن من العربية إلى اليابانية، مهتم كثيرا بالمجال الدعوي والعمل الخيري.
– توشيهيكو إيزوتسو أسلم هو كذلك بعد دراسة عميقة للقرآن الكريم، سأركز على الحديث عنه، دون الآخر، نظرا لمنجزاته العلمية ذات أهمية وشهرة، يتقن ثلاثين لغة عالم لغوي مترجم فيلسوف مفكر إسلامي كاتب رصين ومتمكن؛ يعد من الشخصيات البارزة في مجال العلم والمعرفة.
من أهم كتبه وأشهرها: (الله والإنسان في القرآن)، بالإضافة إلى كتاب آخر لا يقل أهمية: (بنية المصطلحات الأخلاقية في القرآن)، كونه مهتما كذلك بالمصطلحات القرآنية كمفتاح لفهم دلالات ألفاظ القرآن الكريم.
تحدثت عنه (الدكتورة فريدة زمرد) تحديدا حول اهتمامه بالمقاربة الدلالية لألفاظ القرآن:
” تقوم هذه المقاربة الدلالية على محورية اللفظ في فهم النص القرآني، ولا يتم التعامل مع اللفظ هنا من زاوية معجمية محضة، أي من حيث دلالته اللغوية قبل النزول، بل التركيز يكون على دلالته المكتسبة من الاستعمال القرآني له، ومن أهم من كتب في هذا الموضوع المستشرق (من حيث التدقيق الاصطلاحي هو “مستعرب” كما بينا أعلاه) الياباني (توشيهيكو إيزوتسو)، كانت أول دراسة له بهذا المنهج تلك التي صدرت في منتصف القرن الماضي بعنوان (بنية المصطلحات الأخلاقية في القرآن)، ثم الدراسة المتميزة التي صدرت في الستينات عن (الله والإنسان في القرآن: دراسة دلالية لنظرة القرآن إلى العالم)، والتي ترجمت مؤخرا إلى اللغة العربية، وقد درس الباحث في هذا الكتاب عدة مفاهيم عقدية (منها: الله، الغيب والشهادة، الأمة، الدنيا والآخرة، الوحي، الدعاء…)، وأهم ما خلص إليه في دراسته: أن القرآن أعاد استخدام المفاهيم وأضفى عليها قيما جديدة من خلال سياقها القرآني، وهذه القيم هي التي تكشف عن الرؤية الكونية للقرآن الكريم “(1).
اهتمام توشيهيكو بالمصطلح القرآني يندرج ضمن “علم المصطلح القرآني” الذي تم تأسيسه مؤخرا من ضمن رواده من المغرب: الشاهد البوشيخي، فريدة زمرد، محمد المنتار، ومن المشرق: عالم سبيط النيلي، عبد الرحمن حللي، سمير إبراهيم خليل حسن؛ لهم مؤلفات ومقالات في هذا الاختصاص.
هذا باختصار شديد حول المستعرب الياباني (توشيهيكو إيزوتسو) المتوفى سنة 1993.
الأهم مما تقدم ذكره هو ما صدر عنه في مجال “الدراسات القرآنية” الذي هو موضوع بحثنا طيلة الفقرات السابقة (الدراسات القديمة، الدراسات الجديدة، الدراسات الحديثة )، وما سوف يليها من فقرات حول (الدراسات المعاصرة) بحول الله وتوفيقه.
المراجع:
-1، د. فريدة زمرد، تفسير القرآن من التوجيه المذهبي إلى المدخل المصطلحي، مجلة الإحياء، العدد 27، ص 84.