28 يوليو 2025 / 19:07

الجهاديون في تونس ليسوا صدفة أو مؤامرة

عبيد خليفي. باحث تونسي

ردا على الصديق لطفي حجي

استمعت إلى الصديق لطفي حاجي في حواره مع كتيبة وليد الماجري، وشد انتباهي سؤال مفصلي حول علاقة حركة النهضة بالحركات الجهادية، وكان لزاما علي من زاوية أكاديمية أن أخالفه في ما ذهب إليه حتى لا يقال أننا نجادله سياسيا، وسنختصر الرد بملاحظات دقيقة وسريعة:

1- لم تظهر الحركة الجهادية في تونس صدفة مع الثورة، بل هي حركة متجذرة في التربة التونسية منذ عقود، وقد كان التونسيون فاعلين منذ زمن الجهاد الافغاني، وقد أنشأ التونسيون معسكر المقاتلين التونسيين في بيشاور قرب مأسدة أسامة بن لادن، ولئن تعذر عليهم الجهاد في تونس زمن القبضة الأمنية لنظام بن علي، فإن الساحة التونسية كانت مغرية للتعبئة والتجنيد والإستقطاب، ويكفي أن نذكر أن الذين دخلوا السجن بتهمة الإرهاب بين سنتي 2003 و2011 بلغ أكثر من 6 آلاف شاب.

2ـ إن الذين أودعوا السجن بقانون مكافحة
الإرهاب قبل الثورة ومعهم من عجزت الاستخبارات الأمنية عن كشفهم هو العمود الفقري للتنظيمات الجهادية، وحتى أولئك الذين دخلوا السجن لم يقع تأهيلهم وإصلاحهم، بل منحهم السجن فرصة لتشبيك علاقاتهم وتوطيدها لتكون جاهزة بعد خروجهم للجهاد المباشر، ولم تكن عملية سليمان الإرهابية إلا اختبارا حقيقيا لقدرة هذه الحركات على الفعل الجهادي على الأراضي التونسية.

3ـ لم تكن الحركة الجهادية ضغطا وإحراجا على حركة النهضة لإفشال تجربتها في الحكم، لأن بروز هذه الجماعات وظهورها كان في زمن الباجي قايد السبسي، لكن بعد أول انتخابات ديمقراطية نجحت فيها النهضة وصارت حاكمة، كان الاختبار الحقيقي كيف ستتعامل مع هذه الجماعات الجهادية؟ والثابت أنها لم تواجههم مواجهة قانونية وأمنية وقضائية، ولكنها عبر الشيخ راشد الغنوشي وكثير من قيادات النهضة وحتى من وزراء النهضة سعت إلى توثيق الصلة بهم ودعمهم في الدعوة للجهاد في سوريا وليبيا والعراق..

4ـ لقد تعاملت حركة النهضة مع الحركات السلفية التكفيرية في تونس على أنها أجهزتها الصلبة التي يمكن أن ترهب وتلجم التيار “العلماني” دون أن تتحمل تبعات هذه المواجهة، وكان لهم ذلك حين واجهت هذه الحركات السلفية الفنانين والمبدعين واليساريين الكفار.. وانجزت عديد الغزوات والفتوحات في سياق الصراع على الفضاء المجتمعي..

5ــ الحركات السلفية الجهادية ليست دخيلة على مجتمعاتنا وليست صناعة مؤامراتية، لكن يمكن للأطراف الإقليمية والدولية أن توظفها لمصالحها، وهذا التوظيف لا يقتصر على الحركات الجهادية بل يحصل حتى مع الحركات الليبرالية، والحركات الجهادية هي رديف لحركات الإسلام السياسي، فهي الجناح الثوري الغاضب للإسلاميين، والإسلاميون في تونس عجزوا عن إنجاز مراجعات مع أفكارهم التأسيسية فكيف لهم أن يمارسوا قطيعة مع التنظيمات السلفية الجهادية..

ختاما، نحن في حاجة للتسلح بالعقل لإنجاز مراجعات التاريخ القريب وكتابته بما يناسب الأخطاء التي حدثت، وأن لا نستسلم لنظرية المؤامرات التي سوف تجعلنا نكرر نفس الأخطاء فنعود إلى مربع الاستبداد والصراع الهووي.