سعيد الزياني
تثير جماعة “ديانة الأحمدي للسلام والنور”، المعروفة اختصارا بـ AROPL، جدلا متصاعدا في الأوساط البريطانية والدولية، عقب الكشف عن تفاصيل نشاطها داخل بريطانيا، وتحديدا بمدينة كرو، شمال غرب إنجلترا، حيث تتخذ من مبنى ملجأ سابق للأطفال مقرا رئيسيا لها.
وتُعرف الجماعة بقيادة “عبد الله هاشم”، وهو مصري أمريكي الجنسية يقدّم نفسه عبر منصات رقمية باعتباره “المهدي المنتظر”، و”الوارث الشرعي للأنبياء”، بل ويزعم أنه “البابا الحقيقي” للديانات التوحيدية.
بدأ عبد الله هاشم مسيرته كمنتج أفلام وثائقية يهاجم الحركات الدينية غير التقليدية، قبل أن يؤسس في عام 2015 حركته الخاصة التي تمزج بين مرجعيات شيعية ورؤى باطنية ونظريات مؤامرة تتحدث عن سيطرة الماسونية والكائنات الفضائية على السياسة العالمية.
وقد طوّر خطابه الديني في كتابه “غاية الحكماء”، الذي يعتمده مريدوه كمرجع مقدس، ويُلزمهم من خلاله ببيع ممتلكاتهم والتبرع برواتبهم لصالح “المشروع الإلهي”، مع الإبقاء فقط على الحد الأدنى من المصاريف للعيش.
تشير المعطيات إلى أن نحو مئة من أتباع الجماعة يعيشون بشكل جماعي في مقرها بـ”ويب هاوس”، وهو مبنى تاريخي تبلغ قيمته العقارية نحو مليوني جنيه إسترليني.
ويتضمن هذا التجمع العائلي أطفالا لا يتلقون تعليما رسميا، بل يتم تلقينهم داخل الجماعة من قبل أولياء أمورهم، وسط انتقادات من خبراء التعليم ومخاوف من غياب الرقابة على مضمون هذا التعليم البديل.
وفي شهادات جمعتها صحيفة The Guardian من أفراد سابقين داخل الجماعة، تظهر ضغوط اجتماعية ونفسية يتعرض لها الأعضاء، حيث يتم دفعهم لقطع العلاقات مع غير المنتمين، وتُشجع بعض العائلات على تسليم كل ما تملكه لصالح المشروع، بما في ذلك مهور الزواج وأموال التقاعد.
ويُروّج للجماعة من خلال قنوات رقمية، خاصة على تيك توك ويوتيوب، حيث يُصوَّر القائد عبد الله هاشم وهو يُجري “علاجات روحية” للأطفال، وتظهر تسجيلات لأتباعه يعلنون الولاء له باعتباره “الأب، الإمام، والإله”، وفق وصف طفل يبلغ من العمر 16 عاما.
ومن المثير للجدل أن بعض الفيديوهات توثق مزاعم علاجية خارقة، كإحدى الأمهات التي تحدثت عن شفاء ابنتها من ألم المعدة بعدما وضع عبد الله هاشم يده على بطنها، ورغم تأكيد محامي الجماعة دعمها الكامل للخدمات الصحية الرسمية في بريطانيا، فإن الطابع التقديسي الممنوح للقائد يبدو واضحا في ممارساتها اليومية.
وأثارت محاولات الجماعة للحصول على صفة منظمة خيرية في المملكة المتحدة تحفظات لدى بعض المراقبين، خاصة في ظل سجلها المثير للشكوك في دول أوروبية أخرى.
في السويد، سُحبت تصاريح إقامة عشرات من أتباع الجماعة بعد أن كشفت السلطات عن نشاطات تجارية وهمية كانت تُستخدم للحصول على الإقامات، وأكدت محكمة الهجرة السويدية أن الشركات المرتبطة بـAROPL كانت تدفع رواتب صورية لموظفين لا يمارسون عملا حقيقيا، في حين يتم تحويل الأموال داخل شبكة الجماعة، مما أدى إلى ترحيل غالبية المنتمين، الذين انتقلوا لاحقا إلى بريطانيا.
أما في ألمانيا، فلا تزال التحقيقات جارية في قضية اختفاء “ليزا فيزه”، وهي ألمانية كانت على صلة بالجماعة، وسافرت إلى الهند عام 2019 برفقة أحد أعضائها، قبل أن تنقطع أخبارها بشكل نهائي، وتنفي الجماعة أي صلة باختفائها، لكنها لم تقدم أي معلومات تفصيلية عن ظروف رحلتها أو أسباب اختفائها الغامض.
تستخدم الجماعة أدوات إعلامية متقنة في الترويج لأفكارها، وتستثمر في إنتاج مقاطع احترافية تُظهر أفرادها وهم يرتدون قبعات سوداء مميزة ويقفون إلى جانب عبد الله هاشم، يعلنون استعدادهم للقتال والموت من أجله.
ويُزعم أن بعض أتباعه ينفذون دورات أمنية لحماية المقر، ويرافقهم كلاب حراسة، في مشهد يبتعد عن الطابع التعبدي التقليدي، ويميل إلى تشكيل بنية مغلقة على النمط الطائفي.
وبالرغم من دفاع المحامين عن شرعية التنظيم وحقه في ممارسة الشعائر والتجمع، إلا أن الواقع يكشف شبكة داخلية مغلقة، يطغى عليها الولاء الشخصي للقائد، والتحكم شبه الكامل في تفاصيل حياة الأعضاء اليومية، بما في ذلك مواردهم المالية، تعليم أطفالهم، وحتى علاقاتهم الأسرية.
يمكن القول إن تجربة “ديانة الأحمدي للسلام والنور” تمثل نموذجا معاصرا لطائفة دينية هجينة، تتجاوز التعريفات التقليدية للدين، وتمزج بين الروحانية والنزعة السلطوية، وبين التسويق الرقمي والانعزال المجتمعي.
وتفتح الاسئلة الباب مجددا حول حدود حرية التدين، وواجب الدولة في حماية الأفراد، خاصة القُصّر، من الانزلاق داخل كيانات عقائدية مغلقة قد تتحول إلى بؤر استغلال وتهميش مقنّع تحت غطاء الروحانية.