3 يوليو 2025 / 12:23

كتاب التشيع في تونس: قراءة أولية

محمد بن جمعة

هذه وقفة مع كتاب نشره الباحث عبد الحق الزموري، حول التاريخ الطويل للتشيع في تونس، وقد سبق أن علقت على تقديم الكتاب في غرفة صوتية على كلوبهاوس، وفي ما يلي، أهم الملاحظات:

1- حول بدايات التشيع المعاصر، ذكر الجميع عدة أسماء شهيرة ساهمت قبل الثورة وبعدها. ولكن الجميع ركزوا على تيارين دينيين فقط، هما اليمين المحافظ (المتمثل في المراجع المعممين) واليسار الإسلامي (تيار مجاهدي خلق، وتلاميذ علي شريعتي). وأردت لفت الانتباه إلى التيار الليبيرالي الديني الذي أعتبره هو المؤسس قبل غيره، للثورة الإيرانية.

هذا التيار كان يمثله آية الله الطالقاني ومهدي بازراكان الذي كان مهندسا مدنيا، وأصبح رئيس شركة النفط الوطنية في عهد مصدق الذي أمم مرافق النفط، في الستينات. وأقيل واعتقل بعد إسقاط حكومة مصدق. فأسس هو والطالقاني “حركة التحرير الإيرانية”، فاعتقل مجددا لمدة عشر سنوات.

وبازركان كان غزير الكتابة في القضايا الدينية والدراسات القرآنية. في السجن وبعده. وواصل نشاطه السياسي المعارض إلى أن حصلت الثورة الإيرانية، فتم اختياره كأول رئيس حكومة بعد الثورة. وكانت مهمته الرئيسية هي الوساطة بين الخميني وشاهبور بختيار، لتأمين الانتقال السلمي للسلطة. وتمت إقالة بازركان بعد فشل الوساطة ورفضه لاعتقال بختيار.

قرأت بعض كتب بازركان، وأرى أن عمقه الفكري يضعه في مستوى مالك بن نبي وعلي شريعتي.

2- لاحظت في الحوار تداخل الديني والعقائدي والسياسي، بحيث ربما يحصل بعض الخلط بين الحديث عن التشيع، وبين تقييم التجربة السياسية الإيرانية.

واقترحت الحديث عن التنوع الشيعي وعوامله، للمساعدة في فهم الفروقات بين تياراته.

ولخصت هذه العوامل في ما يلي:

– عوامل فقهية: الفرق بين المدرسة الإخبارية والمدرسة الأصولية (وهي مرادف مدرسة أهل الرأي ومدرسة أهل الحديث عند السنّة).

– عوامل فقهية سياسية: قبول أو رفض مبدأ ولاية الفقيه

– يمين محافظ تقليدي / يسار إسلامي / ليبيرالية إسلامية

– مرجعية تقليد فارسية / مرجعية تقليد عربية

– في العالم العربي: تشيع سياسي (بفعل انتصار الثورة الإيرانية، وانتصارات حزب الله) / تشيع ديني

– اختلاف الموقف من السنّة حاضرا وتاريخيا (تقييم الصحابة، ثقافة اللعن، الخ)

3- في تقديري، يمثل محمد حسين فضل الله المرجعية الشيعية المعاصرة الأهم على الإطلاق. باعتبار ما أثاره من جدل واسع من داخل المنظومة الفقهية والعقائدية التقليدية. ومن أهم أفكاره التجديدية:

ــ عدم الاعتقاد بصحة جميع الأحاديث الواردة في أي كتاب من كتب الحديث الشيعية.

ــ الكتاب الوحيد الذي لا خلاف على حفظه وعدم تحريفه هو القرآن الكريم، بجميع صفاته ومحتوياته التي يؤمن بها أهل السنة.

ــ جميع كتب الحديث الشيعية، بلا استثناء، لا يخلو أي واحد منها من ضعيف أو موضوع أو مكذوب. وأنه شخصيا لديه نقدٌ مكتوب ومعروفٌ لعدد من هذه الأحاديث.

ــ حديثه عن وجود مدرستين شيعيتين: المدرسة الإخبارية والمدرسة الأصولية، وأن الأولى أصبحت شأنا تاريخيا في الغالب، وهي الأكثر تمسكا بنصوص الروايات بدون تمييز. أما المدرسة الأصولية فهي المستقرة حاليا، ولديها كثير من الجهد الذي تسعى للقيام به في اتجاه غربلة كتب المرويات وتراجم الرجال.

هذا الكلام الذي ذكره المرجع الراحل، يدل على وجود وعي في الساحة العلمية الشيعية بالحاجة الماسة لمجهود ضخم من قبل الشيعة في سبيل تنقية تراث مروياتهم، وأن الأمر يحتاج لشجاعة أدبية، ومنهجية علمية دقيقة (ليس من الصعب وضعها)، واستعداد للتحرر مما هو خاطئ من المسلّمات، ومما لم يتأكد وثاقة نقله من النصوص التي أضفي عليها طابع التقديس.

4- تحدث بعض المتدخلين عن ظاهرة جماعة ياسر حبيب المتطرفة، وذكر البعض أن السكوت عنها من قبل النظام الإيراني ربما يأتي من قبل توظيفها سياسيا في إطار المصالح الإيرانية. فعلقت بالقول إن هذا الكلام لا يمكن تصديقه إلا إذا صدقنا في تونس، أن موقع “الصدى” كان يقوم بحملته الشعواء على ظاهرة التشيع في تونس، وسط إيعاز مقصود من قبل الحكومات المتعاقبة، لأنه يخدم سياسة تونسية.

تجييش راشد الخياري وموقعه ضد الشيعة وضد رموز فكرية معروفة بمناصرتها السياسية لإيران وحزب الله بدون أن تتشيع عقائديا، يأتي في إطار حرية التعبير وفي إطار التنوع الكبير القائم في الساحة. والذي يوفر فرص ظهور وانتشار للخطابات المتطرفة مثل الخطابات المعتدلة.

5- وختمت بملاحظة حول ظاهرة التحولات الدينية. فقلت إنه بانتشار العولمة انتهى تقريبا عصر التجانس الديني والمذهبي للشعوب. وأصبح ظاهرة طبيعية أن نرى تحولات بين الأديان (أي انتقال الأفراد من دين لآخر)، وتحولات بين إيديولوجيات، وتحولات بين المذاهب الفقهية، والمذاهب العقائدية، والجماعات، والأحزاب، إلخ.

في تونس، نرى أشكالا متعددة من الحساسية المفرطة، نتيجة سوء إدارة التنوع الثقافي، ونتيجة عدم التعاطي مع هذا التنوع كعنصر ثراء اجتماعي. ولذلك، نرى الحساسية المفرطة في تونس بين الشيعة والسنة، وبين السلفية والصوفية، وبين النهضة وغيرها، وبين اليسار وغيره، إلخ.

المصدر: بتصرف عن صفحة الكاتب، وهذا رابطها: https://web.facebook.com/mbenjemaa.cdn