16 يونيو 2025 / 10:22

ثلاثة أصدقاء يبحثون عن الحكمة: تأملات حول التيمة وكتاب

ثلاثة أصدقاء يبحثون عن الحكمة: تأملات حول التيمة وكتاب. الجزء الثاني

ملاحظات أولية

الكتاب الذي هو بين أيدينا اليوم كتاب ذو طابع حواري مناظراتي. فيه مقاربات متعددة التخصصات والخلفيات والرؤى. إذ أن لكل واحد من المؤلفين الثلاثة الذين أنجزوه مفهومه الخاص للحكمة la sagesse وتصورا خاصا لسبل البلوغ إليها.

فهم يمثلون ثلاثة قطاعات مختلفة وإن كانت بينها مساحات مشتركة، ألا وهي:

ــ الطب العقلي la psychiatrie الذي يمثله كريستوف أندريه Christophe André

ــ الفلسفة la philosophie التي يمثلها أليكسندر جوليان Alexandre Jollien.

ــ والتلقين الروحي L’initiation أو النظرة الروحية التي يمثلها الراهب البوذي الفرنسي ماتيو ريكار Matthieu Ricard.

والكتاب يكشف عن أهمية المقاربات المختلفة، المتعددة المواقع والمشارب والمرجعيات. ويغني موضوع “الحكمة” بالمعطيات والتصورات المختلفة. مما يساعد القارئ على تجنب الاختزال القطاعي، والأحكام التبسيطية، والمنزلقات الناتجة عن النظرة الأحادية والتفاسير الضيقة.

وفي هذا الكتاب تتفاعل الآراء والقناعات والمواقف والتفسيرات المطروحة، بما يسفر عن تقويمات وتحفظات وترجيحات نافعة، وشكوك ومساءلات إيجابية، ويساعد القارئ على اكتساب مرونة فكرية وانفتاح ذهني. فيتعلم التحفظ والحذر الإبستمولوجي وتقبل الاختلاف، والتواضع الفكري. ويتجنب الأحكام القبلية المتسرعة، والمقاربات التبسيطية التي تريد أن تخلص إلى نتائج فورية، ويدرك أهمية شعار “النسبية المعرفية” la relativité cognitive وخصوصا حين يتحدث المتكلم أو المناظر في مواضيع معقدة أو شاسعة كــ”الحكمة” أو “الخير” أو “الحقيقة” أو “الدين”.

وفي الكتاب بحث عن النظرة الموسوعية التكاملية الشاملة التي تستحضر أكبر قدر ممكن من الحقائق والأبعاد المتصلة بالموضوع قبل أن تصدر الأحكام، ولا تحتقر أي موقع فكري ولا أي فكرة ما دام بالإمكان تبريرها أو الدفاع عنها انطلاقا من مرجعية معينة ذات نسق خاص.

ويكتشف القارئ من خلال الكتاب أهمية البعد الإيديولوجي أو المصلحي الذي قد يكمن في أية مقاربة تدعي الإطلاق أو الحسم النهائي أو الأفضلية بغير مسوغ مقنع، أو تلبس لباسا رسميا وتحتمي بالمؤسسات الرسمية لأجل إقصاء كل ما عداها من مقاربات حتى ولو كانت وجيهة ومشروعة من الناحية الأبستمولوجية وقائمة على حيثيات مسوغة.

وأخيرا فهو يساعد القارئ على الخروج بقناعات وترجيحات شخصية معينة – وله الحق في ذلك طالما أنه واع باختلاف التصورات وتعدد الأبعاد والحقائق والمعطيات المتصلة بهذا الموضوع.

لقد كان بالإمكان أن ينضم إلى الفريق الذي أنجز الكتاب مُحاوِرٌ رابع وآخر خامس وهكذا دواليك. صوفي مسلم مثلا، أو متخصص في الديانيتيك [la dianétique]، أو فيلسوف مادي النزعة لعله يعطي “الحكمة” تعريفا آخر، أو ينكر وجودها بإطلاق أو يقدم مفهوما آخر بديلا عنها.

كلما تعدد المتحاورون واختلفت تخصصاتهم وتباعدتْ رؤاهم، كلما سهل الاقتراب من الجوهر وتجاوز القشور واستطاع القارئ أن يفكر بوضوح وأن يبتعد عن التبسيط la simplification والاختزال le réductionnisme والتفسير الأحادي l’explication unilatérale والنرجسية القطاعية le narcissisme sectoriel وأعني بالنرجسية القطاعية هنا :مغالاة المحاور في التعلق بالقطاع الذي يمثله وفي الانتصار للتخصص الذي ينطلق منه، و اقتصاره على المفاهيم المستخدمة فيه، والمقاربات التي قدمت في فضائه، وكأن ذلك القطاع صنم معبود، بل وكأنه القطاع الوحيد الذي ينتج المعرفة وينطق بالحق ويَفْصِل ويحسم في الأمور.

ومن حسنات الكتاب أنه يبرز أن كل إنسان يحمل في ذهنه قناعات فكرية وعقائدية أو علمية خاصة، بإمكانه أن يحاور المخالفين له بكل وضوح وصراحة وشجاعة، وأن يتعاون معهم على كشف الحقيقة أو التقريب منها، أو البلوغ إلى التصور الأفضل، أو النتيجة المرجحة، دون أن يفسد ذلك للود قضية.

فبتفاعل الآراء يتطور تفكير الجميع ويزدادون نباهة، ويعون بالمنزلقات ويتجنبون الأخطاء والأخطار ويخرجون من شرنقاتهم العلمية والفكرية الضيقة وولاءاتهم الأيديولوجية اللامشروطة ليفكروا بشكل أوضح وأشمل وأعمق وأكثر مرونة وتجردا وحيادية، ويدركوا الحدود الفاصلة بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي.ويميزوا بين الأشياء الواضحة والمحسوم في أمرها إلى حد ما، والأشياء المعلقة والاشكاليات المزمنة أو المتجددة التي تعاود الظهور بأشكال وصيغ مختلفة والتي تتطلب الروية وتنتظر المزيد من البحث والتنقيب والتفكير ويعيدوا النظر في كثير من الحقائق التي تواضع الناس على أن يعتبروها علمية أو منطقية أو نهائية.

ليس هناك فرق كبير بين المتحاورين الثلاثة. ولو أضيف إليهم الحكيم سيرغاي لازاريف Sergey Lazarev ومؤسس السيونطولوجي La scientologie رون هوبارد Ron Hubbard والباحث الأمريكي جيمس ريدفيلد James Redfield وصوفي مسلم أو شخص متصل بالباطن الديني ذو كشف ومشاهدات، لأصبح للنقاش صبغة أخرى ولظهرتْ أبعاد وحقائق، وعلاقات ومعايير أخرى تهم الحياة النفسية، والتلقين الروحي.

فسيرغاي Sergey lazarev مثلا، يطرح “الرمزية” الكامنة في المشاكل التي يعيشها الإنسان، وعلاقة تلك المشاكل بالكارما [le Karma]، كما يطرح “العلاقة السببية الباطنية” التي تربط بين ظواهر ووقائع متباعدة في حياة الإنسان، أو تربط بين حالات نفسية خاصة وبين أحوال جسدية معينة من خلال مسالك غير ظاهرية وغير معروفة علميا.

وهذا مما يجعل مقاربته النفسية / الروحية مختلفة عن مقاربة التحليل النفسي la psychanalyse والطب السيكوسوماتي la médecine psychosomatique وكل ما هو معروف في علم النفس الرسمي.

كما يطرح لازاريف “المخاطبة” الرمزية الكامنة في الأحداث التي يعيشها الإنسان، وفي الظواهر التي يدركها والأشخاص الذين يلتقي بهم. حيث يصبح كل شيء “ذا دلالة معينة” وحاملا لرسالة رمزية موجهة إلى العقل والنفس والروح.

أما الكاتب والباحث الأمريكي جيمس ريدفيلد James Redfield، 1950 فقد تخصص في العلاج النفسي الاجتماعي ومارسه لأكثر من خمس عشرة سنة، ودرس الفلسفات الشرقية كالطاوية والبوذية زن le bouddhisme Zen. ولو شارك في الحوار فيتوقع إلى حد بعيد أن يركز على فكرة التزامن La synchronicité التي التقطها من كارل غوستاف يونغ K.G.Jung وطور التفكير حولها في مؤلفاته المختلفة.

يرى فردفيلد Redfield أن العقل له صلة طاقوية بالأحداث التي يعيشها الإنسان. وأن المرء قد يجذب إلى حياته ما يفكر فيه أو ما يكتبه من أحداث وظروف وأحوال حتى ولو يقصدْ ذلك، بل حتى ولو كان يكتب مجرد رواية أو قصة خيالية أو مضمون فيلم سينمائي. ويرى ان الأحداث المتزامنة les faits synchroniques تحمل دلالة كبرى وتخاطب العقل. وأن على هذا الأخير أن ينتبه إلى الرسالة الكامنة فيها وما تنطوي عليه من معان وإشارات وتوجيهات. والحال أن ما لا يدرك كله لا يترك جله، كما جاء في الأثر.

ويبقى الحوار في جميع الحالات فضيلة معرفية وتواصلية وتجربة وجودية وشيمة أخلاقية وحضارية كبرى تحسب للأقطاب الثلاثة المنخرطين فيه.

 

في الكتب الحوارية والمناظراتية

من الكتب الحوارية التي أثارت انتباهي إذا ما استثنيت أعمال بعض الندوات والمناظرات واللقاءات الفكرية التي جُمعتْ لاحقا في كتب مطبوعة، كتاب نجوم وجزيئات Etoiles et molécules الذي يتضمن حوارا طريفا ومطولا بين عالم البيولوجيا العقلاني المتشكك هنري لابوريت Henri Laborit والباحثة السوسيوليوجية المهتمة بالتنجيم والروحانيات والمتحمسة للعلم الوضعي في نفس الوقت: إليزابيت تيسييه Elisabeth Tessier، وهو كتاب ممتع يجتمع فيه ما لا يجتمع في غيره ويقيم حوارا ومناظرة بين العلم والروحانيات حول مواضيع تهم الطرفين كالتنجيم. ومحددات طبع الإنسان ودور الحامض النووي وأوضاع الكواكب والنجوم فيها، ودور الوراثة والوسط الاجتماعي.. إلخ. حيث يطرح كل واحد من المتحاوريْن رأيه ومعتقده وقناعاته التي استقر عليها ويتقبل في نفس الوقت سماع الرأي المخالف والأسئلة المتمردة والمتشككة والاطلاع على أدلة الطرف الثاني وحيثيات أحكامه ومواقفه.

وهناك كتب حوارية أخرى مضمونها عبارة عن حوار فكري بين الكاتب ونفسه في الخفاء أو العلن، ككتاب “حوار مع صديقي الملحد” الذي يتخيل فيه الكاتب مصطفى محمود أنه يحاور شخصا ملحدا ويجيب عن أسئلته ويحاول تبديد شكوكه. وإرجاعه إلى جادة الصواب بمرونة مستخدما المنطق والحجاج ومعطيات العلم والنقط الخلافية، ومستعينا بالفلسفة ونظرياتها ومعيدا قراءة العلم على ضوء مقتضيات الإيمان..

لكن هذا الشخص افتراضي يمثل أفكار وشكوك ومزاعم مصطفى محمود التي كانت تراوده وتملأ ذهنه في فترات سابقة أي قبل أن يعود إلى الإيمان الديني بشكل رسمي ونهائي ويستقر على التدين الإسلامي. كما يمثل الأفكار والشبهات التي التقطها الكاتب في تلك الفترات من باحثين ومفكرين وفلاسفة وعلماء وملاحدة، وعدميين، قرأ لهم وكان معجبا بما كتبوه. حيث أنه لم يعد إلى حظيرة الإيمان الديني إلا وهو في عمر ثلاث وأربعين سنة تقريبا.

والكتاب يتضمن أسئلة وأجوبة وردودا على الردود. ويعلن فيه الكاتب – في آخر المطاف – أن الملحد لم يؤمن رغم كل شيء وبقي متشبثا بموقفه. وهذه إشارة ذكية منه إلى أن الإيمان يبقى في النهاية “نعمة من الله” و”حالة وهْبية” قبل أن يكون مجهودا شخصيا متوجا باقتناع عقلي بحقائق الوحي.

ويدخل ضمن هذا الإطار أيضا – وبنوع من التجوز- كتاب “المنقذ من الضلال” الذي يحاور فيه الإمام الغزالي نفسه بطريقة سردية من جنس السيرة الذاتية، ويطرح أسئلته وقناعاته السابقة وتطوره الفكري والعقدي ويرد على الأسئلة بأجوبة تلقاها حين بلغ إلى الاستنارة، وبعد فترة تتميز بالأزمات والمحن والكآبة واللامعنى.

فالكتاب يطرح علم الكلام ثم الفلسفة ثم تعاليم الباطنية، ثم التصوف، على اعتبار أن المؤلف اجتاز هذه المواقع أو المحطات كلها مقتنعا بها في البداية ثم متشككا، ثم متجاوِزا، حيث كان ينتقل من موقع إلى غيره مبرزا نواقصه وتناقضاته ومخالفته للعقل أو الشرع إلى أن اختار التصوف واستقر عليه ثم صاغ على ضوئه كل المعارف التي سبق أن تلقاها.

وهناك أيضا كتاب “حوار المشرق والمغرب”، وهو عبارة عن تجميع لرسائل متبادلة بين المرحومين الدكتور محمد عابد الجابري -عن المغرب – والدكتور حسن حنفي – عن المشرق. وقد كانت كل رسالة منها تبدأ بعبارة “عزيزي حسن” أو “عزيزي محمد”. وكانا يطرحان من خلالها مختلف الاشكاليات والقضايا التي تهم العالم العربي والإسلامي والتي تتعلق بالفكر والتاريخ والدين والتراث والمجتمع والسياسة، ويطرحان بشأنها آراء ومواقف في سبيل إعادة بناء الفكر السياسي العربي.

ولا ننسى حوارات جيل دولوز Gille Deleuze في الفلسفة والأدب وحوارات ميشيل فوكو Michel Foucault، فيلسوف المعرفة، ونعوم تشومسكي، Noam Chomsky العالم اللغوي الكبير، وحوارات عبد الوهاب المسيري حول الهوية والحركات الإسلامية، و”حوارات من أجل المستقبل” لطه عبد الرحمن، وحوارات في الدين والسياسة لمحمد سليم العوا، أو الحوار بين الفيلسوف إدغار موران Edgar Morin والمفكر الإسلامي طارق رمضان. إلخ.

وإذا رجعنا إلى الوراء زمنيا وجدنا حوارات محمد عبده وفرح أنطون، حول الإسلام والمسيحية، والتي كانت تنشر في مجلتي “الجامعة” و”المنار”. ويمكن أن نلحق بهذه الظاهرة مراسلات جبران خليل جبران ومي زيادة، وإن غلب عليها الطابع الأدبي.

ومعلوم أن الكتب الحوارية كثيرة وخصوصا في مجالات الأدب والفكر والفلسفة، ويصعب حصرها في هذا المقام، ولعل من أبرزها في التاريخ القديم محاورات أفلاطون التي طرح فيها آراءه الفلسفية على لسان سقراط وفلاسفة وسوفسطائيين أمثال جورجياس 480-375 ق.م بروتاغوراس 487-420 ق.م. ويبدو أنها محاورات بيداغوجية تعليمية وليست سردا تاريخيا وفيا للواقع ولا تسجيلا وتوثيقا للقاءات مناظراتية حقيقية.

وبخصوص الحوارات المتعددة الأطراف فيمكن القول على سبيل الإجمال إن هناك كتبا تتضمن حوارات بين أطراف متعددة أي ثلاثة فما فوق.

وبخصوص الحوارات الثنائية، نجد أن هناك كتبا تتضمن حوارات بين شخصين أحدهما يظل سائلا على الدوام ويظل الثاني مجيبا وموضحا ومفسرا. ونجد في المقابل كتبا تتضمن ما هو أكثر من ذلك، أي مناظرة بين شخصين كلاهما سائل ومجيب، وكلاهما عالم ومحيط بمجاله، لكنه قد يسمح لنفسه بمناقشة معطيات تنتمي إلى مجال الطرف الآخر. وهذا هو الطابع الغالب على الكتاب الذي نتحدث عنه في هذه المداخلة.

 

في المسحة الاستشراقية للكتاب

يتعلق الأمر بثلاثة أشخاص غربيين، اثنان منهما من أصل فرنسي والثالث من أصل سويسري، يبحثون عن الحكمة بالمفهوم الغربي وبالمفهوم الشرقي البوذي أيضا. فكلهم يمارسون التأمل إلى حد ما La méditation. والتأمل وإن كنا نجد له مكانا في أديان أخرى تحت مسميات أخرى أو ألفاظ تقريبية، فهو لصيق بالفلسفات الشرقية كاليوغا والبوذية والطاوية والزن والشنتو.

ولعل أقل المتحاورين الثلاثة انشغالا بالفكر الشرقي: الطبيب العقلي كريستوف أندريهChristophe André المعروف بتحفظه وبرودته العقلانية.

أما صديقاه ماتيو ريكار Matthieu Ricard وألكسندر جوليان Alexandre Jollien، فقد انغمسا إلى حد بعيد في الروحانيات الشرقية وتتلمذ كل واحد منهما على يد أستاذ ينتمي إلى المدرسة البوذية. فهما في موقع جيد يمكنهما من الحوار الثقافي والحضاري ويعطيهما أدوات للمقارنة والموازنة. وهذا لا يمنع من القول إن الطبيب العقلي كريستوف أندريه رغم عدم تتلمذه على أستاذ بوذي يشكل بدوره مثلا واضحا على فعالية التثاقف [L’acculturation] أي انتقال عناصر من ثقافة إلى أخرى بسبب الاحتكاك، والقراءة، ووسائل الإعلام، خصوصا وأن فرنسا والبوذية بينهما أكثر من سبب.

ونجد في الأدبيات الروحية الغربية أسماء أشخاص كانوا معجبين بالشرق وساحوا فيه أو استقروا فيه، مؤقتا أو بصفة نهائية. ونذكر منهم ألكسندرا دافيد نيل Alexandra David Neel 1968-1969الماسونية والبوذية والنسوية والفنانة التي كتبت عن فلسفات الصين والتبت والهند وروحانية الشرق، وتتلمذت على يد سوامي بهاسكا رانانداSarasvati Swami Bhaskarananda، ولاشين غومشين رينبوتشيه Lachen Gomchen Rinpotché. وهي أول امرأة غربية بلغت إلى لهاسا Lhassa عاصمة التبت وحطت فيها الرحال.

ونذكر أيضا آني بيسانت Annie Besant التيوصوفية الهندوسية الاشتراكية التي ولدت في لندن في سنة 1847 واشتغلت إلى جانب مدام بلافاتسكي H.P.Blavatsky 1831-1891 في تسيير الحركة التيوصوفية الباطنية النزعة ، وتوفيت في سنة 1933. ورونيه غينون René Guénon 1886-1951 الباحث الباطني ésotériste الفرنسي الذي أسلم وغير اسمه إلى الشيخ عبد الواحد يحيى وقضى ما تبقى من حياته في مصر. وبول برينتون Paul Brunton 1898-1981، الكاتب والرحالة والفيلسوف والصوفي البريطاني وهو أيضا من الأوائل الذين أدخلوا الروحانيات الهندية إلى الغرب وأنجز مؤلفات عديدة في هذا المجال من أبرزها كتاباه: ” الهند السريّة” و”التعليم السري وراء اليوغا”.

في المقابل نجد فلاسفة وروحانيين شرقيين ذهبوا إلى الغرب وعلّموا فيه طرقهم ونشروا أفكارهم الروحية ومنهم سوامي فيفكاناندا Swami Vivekananda 1863-1902 تلميذ راماكريشنا Ramakrishna 1836-1886 الذي لعب دورا رئيسيا في إدخال فلسفات الفيدانتا vedanta واليوغا إلى العالم الغربي وزيادة الوعي بأهمية الحوار بين الأديان.

ومنهم المعلم باراماهانسا يوغاناندا Paramahansa Yogananda 1893-1952 الذي عرف الغربيين على مدرسة الكريا يوغا Kriya Yoga وتطبيقاتها، (وتعني كلمة كريا: عمل، تطبيق، طقس، احتفال)، وبهرهم بكتابه الشهير السيرة الذاتية ليوغي Autobiographie d’un Yogi وقد كان يخْطب في أمريكا كداعية روحاني أمام جمهور غفير خلال الثلاثينيات من القرن الماضي.

ومنهم المهاريشي ماهيش يوغي Maharishi Mahesh Yogi 1918- 2008 مؤسس “حركة التجدد الروحي” في العالم le Mouvement de Régénération Spirituelle والتي تحولت في سنة 1959 إلى حركة التأمل التجاوزي أو الترانسانداتالي la méditation transcendantale، وجيدو كريشنامورتي Jiddu Krishnamurti 1895-1986 الذي زعم أصحاب “تنظيم نجمة الشرق” L’ordre de l’Étoile d’Orient, في فترة ما أنه المسيح المنتظر، لكنه رفض الفكرة وقام بحل التنظيم، ورفض فكرة المعلم الروحي من أساسها. وجاب العالم متحدثا عن القضايا الفلسفية والروحية، ومشددا على اهمية تطوير وعي الفرد في سبيل الإصلاح والتقدم الاجتماعي، ومفسرا طبيعة العقل، والتأمل، والعلاقات البشرية، الخ واستقر به الأمر في أمريكا حيث توفي سنة 1986.

ومنهم راجنيش أوشو Rajnish Osho، 1931-1990 المعلم الروحي الهندي الذي أثار جدلا كبيرا، ما يزال مستمرا إلى يومنا هذا، وكان له  له نفوذ كبير في الولايات المتحدة قبل أن يعود إلى الهند.

ومنهم المعلم الصيني لي هونغ جي Li Hongzhi مؤسس مدرسة الفالون Falon Dafa دافا البوذية النزعة والتي تستلهم الطاوية أيضا، وهو يقيم في أمريكا وعنده ثلاثون ألف ممارس هناك. وكان قد أسس حركته في الصين في سنة 1992 ثم تم حظر أنشطتها من طرف السلطات في نفس السنة، فالتجأ إلى أمريكا حيث ينشر تعاليمه وتطبيقاته.

ولا ننسى جورج غوردييف Georges Gurdjieff 1866-1949 الذي عاش متنقلا بين البلدان وأتقن كثيرا من اللغات، واستطاع أن ينقل كثيرا من عناصر الثقافة الروحية الشرقية إلى الغرب.

أما شري أوروبيندو Sri Aurobindo   [1872-1952] فقد تفاعل مع عناصر من الفكر الغربي إذ قرأ لكانط وهيجل، ووصف أفلاطون Platon وأفلوطين Plotin ونيتشه Nietzsche وبرغسون Bergson بأنهم “حدسيون” واستفاد من فكر هيجل Hegel واستلهمه في إعادة تقديم الهندوسية إلى العالم المعاصر.