8 يونيو 2025 / 00:07

إصدار حول التصوف الإسلامي في أدبيات الاستشراق

ثريا ذاكر

يتناول هذا الكتاب الذي ألفه الباحث المصري خالد محمد عبده، يتناول جهود مجموعة من المستشرقين المتخصصين في درس التصوف الإسلامي، كما يحاول أن يصحح بعض المعلومات المغلوطة عنهم وعن دراساتهم، مع التركيز بشكل خاص على تقديم بعض المعارف عن المقاربة الاستشراقية الألمانية للتصوف الإسلامي، فيسلط  بعض الضوء على جملة من أعلام المستشرقين الألمان لم يكتب عنهم في اللغة العربية إلا نادرا، من أمثال فريتز ماير، وريتر وغيرهما، ثم اختار الكتاب شخصية تميزت بإنتاجها الثري في الدراسات الإسلامية والتصوف، وعرض جملة من أعمالها تعبر عن اهتمامها الأصيل بالدرس الصوفي، ألا وهي أنا ماري شيمل عاشقة الإسلام والتصوف.

تتوزع محاور الكتاب على تقديم والفصول التالية: نيكلسون والدراسات الصوفية، التّصوّف الإسلامي في المقاربة الاستشراقية الألمانية، أنا ماري شيمل والدراسات الصوفية، المستشرقون والتصوف الإسلام.

يرى المؤلف أنه حينما نكتب عن التصوف اليوم ونخصص له ركنا، لا ننشغل بالتمييز بين السلفية والصوفية والشيعة وغيرها، ولكننا ننشغل بالمعرفة ونبتعد عن التحيز والعصبية والعنصرية التي قتلتنا وأنهكت الصغير والكبير، ولوثت كافة الأجواء من حولنا انشغالنا بهذا اللون المعرفي يأتي من خلال متابعتنا لما يكتب عنه أو يقدّم من مواد معتمدًا على بعض أفكاره، أو مستغلاً لمفاهيمه في الأحداث الجارية.

نكتب عن التصوف لأنه مبنى على السفر من الله في الله إلى الله، ويستمد رؤاه الجمالية منه، وسعته منه، واحتماله لكافة الخلائق على اختلافها منه، ولأنه لا يغلق لأحد بابًا مهما كان ما يحمله ويعتقده من آراء.

بخصوص أعمال المستشرق الإنجليزي نيكلسون، فقد انفرد من بين مستشرقي بلاده بتوجيه نظره إلى الحياة الروحية الإسلامية في أخص وأبرز مظاهرها، ووجد ذلك في التصوف الإسلامي. ولذلك، كرس حياته الطويلة – أو نيفا وخمسين سنة منها – في دراسة التصوف في مصادره الأولى عربية كانت أم فارسية، ومعرفة العوامل التي ساعدت على نشأة التصوف في الإسلام وعلى نموه.

وقد كان نيكلسون في مزاجه العقلي والخلقي وتصويره الشعري صوفيا بالفطرة، بل يرى المؤلف أنه شاطر الصوفية أذواقهم ومواجيدهم، وإن لم يحي معهم في زواياهم وربطهم. ولذا استطاع – كما استطاع زميله الفرنسي العلّامة لويس ماسينون الذي يشاركه في جميع هذه الصفات – أن يسبر غورا في الحياة الروحية في الإسلام لم تصل إليه أفهام المستشرقين من قبل، وأن يدرك أسرارا في التصوف الإسلامي خفيت عليهم، وأن يوجه دراسة التصوف وجهة جديدة ويقيمها على أسس علمية تتوافر فيها كل مزايا منهج البحث العلمي.

على أن نيكلسون قد انفرد عن غيره من المستشرقين المشتغلين بالتصوف بمن فيهم ماسينون بموهبة أخرى نادرة قد لا نجد لها أثرا إلا في أستاذه براون وهي مقدرته على نقل الشعر العربي إلى شعر أوربي نقلا تخفي معه كل معالم الترجمة، ويظهر لك فيـه المحافظة التامة على روح الناقل متقمصا شخصية المنقول عنه مع الأصل المنقول ومعناه؛ فهو شاعر مطبوع وفنان بارع ومصور مبتدع ومترجم عن لسان أحوال الصوفية وأذواقهم ولمحاتهم وإشراقاتهم قبل أن يكون عالما وباحثًا في التصوف.

بالنسبة لأنا ماري شيمل، المستشرق الألمانية، فإنها تعتبر من أهم المستشرقين في العصر الحالي وهي محل ثقة وإجماع في الشرق والغرب، طلب منها أن تدرس في أمريكا وتركيا فأجابت، وكوّنت جيلا وأطرت الكثير من الباحثين الذين طوروا درسها، وجابت بلاد الإسلام والتقت بالساسة والزعماء وكرمت هنا وهناك، وكان التكريم الشعبي لها أهم وأنفع فهي لم تكن لتكتب للنخبة فحسب بل كانت تكتب ليقرأها الكل دون تمييز فالنجار التركي أو الطباخ في المطعم حينما يثني على ما تقدمه تعد ذلك أفضل تكريم حدث لها، ولعل سهولة أسلوبها دون خلال في التعمق في درس المادة أو الموضوع هو ما جعلها معروفة بشكل كبير عند جمهور البسطاء في باكستان وتركيا والهند.

توزع اهتمام شيمل على كافة فروع الإسلاميات فما اقتصر نشاطها البحثي على التصوف فحسب، ففي الخط والرسم والفنون كان لها إسهامها، وفي الأدب العربي كذلك، وفي الحوار الإسلامي المسيحي وفي التاريخ، وكذلك في تحقيق النصوص، لكننا ما إن نقف على عتبات نصوصها تقابلنا زهور المتصوفين.