21 مايو 2025 / 22:14

ثقافة السحر والرقية: نقد فلسفي

أي شخص متعمق في الفلسفة وفلسفة المعرفة يدرك أن الابستمولوجية وفي طريقها من أجل بناء المعرفة والوصول إليها، لطالما اصطدمت بمشكلتين: 1-مشكلة العقل 2-مشكلة الواقع.

مشكلة العقل تقوم على الحدود الصورية للعقل، أي صعوبة الوصول إلى أحكام موضوعية بشأن الأنساق المعرفية للعقل البشري من خارجه وهي المشكلة التي تنبه لها هيوم وحاول إصلاحها كانط. فكل القضايا الصورية هي قضايا تحصيل حاصل مثلما يقول فيتغنشتاين لا يمكنها إضافة شئ عن الواقع، فاعتباراً للإستلزمات الصورية التي يمكن من خلالها اشتقاق مجموعة من القضايا من اخرى يمكن بناء أنساق معرفية نموذجية في أي مجال حتى لو كان سحراً أو أسطورة..الخ

مشكلة الواقع كما يرى الوجوديون أنه مسارات غير متناهية ولا متوقعة ومفتوح من غير حدود، وحتى عندما حاول التجريبيون والماديون وضع قواعد علمية على أسس تجريبية اصطدموا بمشكلة الاستقراء، وهي استحالة الوصول إلى تعميم كلي بشأن أي تجربة بشرية، وحتى عندما حاول كارل بوبر معالجة هذه المشكلة صاغ ابستيمولوجيا سلبية لاتقوم على الإثبات العلمي بل على النقض والرفض وهو الأمر الذي جعل ماريو بونجي يسخر من بوبر بقوله”أنه لايمكن لشخص أي يحصل على جائزة نوبل لمجرد الرفض العلمي!”.

هل من خلال ماسبق لايوجد فرق بين العلم واللاعلم، هل ثقافة السحر والشعوذة المنتشرة هذه الأيام في الجزائر لا تختلف كثيراً عن العلم ألا يمكن إذا إبطال كلام الرقاة والدجالين عن الجن والعوالم الاخرى؟

الجوانب هو النفي، لايمكن إعطاء شرعية حتى لو كانت ثقافية بالمعنى الفينومونولوجي، لكل أشكال السحر والشعوذة والرقية، فالعديد من الاعتبارات العلمية لنقد ورفض هذه الثقافة موجودة وقوية، أولها المستوى الأنطولوجي. فالثقافة الخرافية لا تعدوا أن تكون مجرد خطاب سوسيولغوي يفتقر لأي أساس موضوعي لا يختلف كثيراً عن البنية الأسطورية في المجتمعات القديمة فهما يتشاركان في الممارسة البين-ذاتية بين مجموعة من الناس وأيضا كونهما خطاب لغوي مكرر لكنهما يفتقدان الأساس المادي والشروط الموضوعية للظواهر في الخارج من التماثل والتكرار التجاور والترابط.. بالتالي تفتقد ظاهرة السحر والرقية الشرط الأنطولوجي باعتبارها بنية باطنية مثلها مثل التخاطر و الخيال والأوهام حتى ولو اتسعت دائرتها التداولية في الخطاب.

هذا من جهة من جهة أخرى تحقق الأنساق العلمية أثراً اجتماعياً إيجابياً من خلال تفاعلها مع بنية مؤسساتية وإنتاجية منظمة عن طريق التأثر والتأثير، أو بالمعنى البرغماتي عند وليام جيمس فإن ماهو صحيح هو نافع. في المقابل ثقافة السحر والرقية تزيد من تعميق التخلف الثقافي والعلمي في المجتمع الجزائري، وتضعف التفكير النقدي القائم على دراسة الظواهر الاجتماعية و الطبيعية والنفسية والبحث في طبيعتها وأسبابها، كما تفكك البنى الاجتماعية بزرعها حالة التشكك القهري بين الأفراد وتضعف الثقة بينهم. وتقضي على إرادة العمل في المجتمع بترسيخها التواكل وسياسة الحلول الساذجة والسريعة في البحث عن المشكلات وحلها، وغيرها من سلبيات اخرى تساهم هذه الثقافة في زرعها وانتشارها.يمكن تقديم حجج اخرى كثيرة لنقض هذه الثقافة وإبطالها علمية ودينية وأخلاقية لايسع المقام لذلك.

تمرسيت حسام الدين