دين بريس. رشيد المباركي
نادرة هي الدراسات التي تطرقت إلى ظاهرة المنشقين عن الجماعات الإسلامية، وتزداد مؤشرات هذه الندرة عندما يتعلق الأمر بالظاهرة في سياقها الغربي، الأوروبي والأمريكي، وهذا هو موضوع كتاب ألفه الباحث الأمريكي لورينزو فيدينو، الخبير في قضايا التطرف والأمن، والصادر في نسخته الأصلية عن جامعة كولومبيا.
يقدم المؤلف نظرة من الداخل عن كيفية عمل إحدى جماعات الإسلام السياسي الأكثر نفوذاً في العالم، وهي جماعة الإخوان المسلمين، من خلال مجموعة من اللقاءات التي أجراها لورينزو فيدينو مع أعضاء سابقين في هذه الجماعة من أوروبا، وبريطانيا وأمريكا الشمالية، والتي ألقى من خلالها الضوء على دوافع انضمام هؤلاء إلى الجماعات الغربية التابعة لتنظيم الإخوان وكيفية حدوث ذلك.
يتعلق الأمر بمجموعة من القيادات والعناصر الإخوانية في الغرب من جنسيات مختلفة، ومن أجيال متباينة، يجمع بينها أنها كانت في بداية انضمامها للجماعة نشيطة وفاعلة، لكنها من واقع الممارسة اكتشفت العديد من السلبيات في إدارة تسيير شؤون الجماعة، وغلبة الشخصنة وغياب الديموقراطية عنها، وغموض موقفها تجاه العديد من القضايا ما اضطرهم إلى الانشقاق عنها.
ومن بين هذه الشخصيات، نجد الكاتب المغربي محمد لويزي، الذي يقيم في فرنسا، ومؤلف كتاب “لماذا انفصلت عن الإخوان المسلمين” (صدر بالفرنسية منذ سنوات)، كما نجد المصري كمال الهلباوي، واللبناني أحمد عكاري، والفرنسي عميرو مارونجيو الذين وجهوا في ما بعد العديد من الانتقادات للجماعة.
كما يسلط الكتاب الضوء على العلاقة بين الإخوان المسلمين والحركات الجهادية، ويرى أن هذه العلاقة معقدة وتختلف من بيئة إلى أخرى ومن وقت إلى آخر، ومن بين الأمثلة التي يتوقف عندها المؤلف، عبد الله عزام، الإخواني الذي انتقل إلى المعسكر الجهادي إبان (محاربة الغزو السوفياتي لأفغانستان، حيث انضم إلى الإخوان المسلمين في خمسينيات القرن العشرين، أو تلميذه أسامة بن لادن برز نجمه مع الإخوان المسلمين في السعودية، قبل أن ينشق عن الجماعة، إضافة إلى أيمن الظواهري الذي كان عضوا في جماعة الإخوان في مصر قبل أن يتولى قيادة تنظيم الجهاد الإسلامي، أو أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الذي كان عضواً في جماعة الإخوان في العراق.
في القسم الأول من الكتاب، يوضح المؤلف الخصائص الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين والجماعات المنبثقة عنها والتنظيمات المتأثرة بها، حيث يقسم الإخوان المسلمين في الغرب إلى ثلاث شرائح مختلفة على أرض الواقع. أولها التنظيمات الإخوانية المحضة وهي شبكات سرية غير معلنة تم تأسيسها في الغرب بواسطة فروع شرق أوسطية لتنظيم الإخوان المسلمين، وتضم المهاجرين الأوائل الذين أسسوا في كل دولة غربية تنظيمات شبيهة بالتنظيم الأم في مصر، وتعتمد هذه التنظيمات الفرعية على التلقين الأيديولوجي، ودفع رسوم العضوية، وهناك قيادة منتخبة تدير أنشطتها وتشرف على الأنشطة الاجتماعية والخيرية.
وثانيها التنظيمات المولودة من رحم الإخوان، وهي منظمات علنية أسسها أفراد ينتمون إلى الإخوان المسلمين، ولكن هذه التنظيمات تنفي أي علاقة لها بالإخوان المسلمين، وتقوم بمجموعة واسعة من الأنشطة الاجتماعية والثقافية والخدمية. وثالثها التنظيمات المتأثرة بالإخوان وتتبنّى أيديولوجية الجماعة، وليس لديها روابط عملية واضحة تجمعها مع تنظيم الإخوان المسلمين، لكن هناك بصمات واضحة للجماعة الأم عليها. والتنظيمات الإخوانية الغربية من الشريحة الثالثة قد تضم أعضاء غير مسلمين.