6 مايو 2025 / 09:26

صورة ترامب “بابا” تفتح نقاشا حول حدود السخرية من الرموز الدينية

المصطفى الراشيدي
أثار نشر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لصورة معدّلة بالذكاء الاصطناعي تُظهره في هيئة البابا، ردود فعل متباينة بين الاستياء والتهوين، وذلك تزامنا مع فترة الحداد الرسمية التي تعيشها الكنيسة الكاثوليكية بعد وفاة البابا فرنسيس. وقد نُشرت الصورة عبر منصته الخاصة “تروث سوشيال”، كما ظهرت على الحساب الرسمي للبيت الأبيض في منصة “إكس”، ما أضفى على الواقعة طابعا مؤسساتيا زاد من حساسيتها.

وأظهرت الصورة ترامب مرتديا الرداء البابوي الأبيض، واضعا الزي البابوي، ومشيرا بإصبعه إلى السماء في مشهد يوحي بتقمص رمزي لوظيفة البابا.

هذا التوقيت تزامن مع استعداد الكرادلة في الفاتيكان للدخول في “الكونكلاف” لاختيار الحبر الأعظم الجديد، ما جعل الصورة تخرج من نطاق المزاح السياسي المعتاد إلى دائرة الجدل الديني والأخلاقي.

وانتقد مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في نيويورك هذه الخطوة، معتبرا أنها تفتقر إلى اللياقة وتُظهر استخفافا بلحظة مقدسة في تاريخ الكنيسة، كما أعرب الكاردينال “تيموثي دولان” عن تحفظه على مضمون الصورة، مشيرا إلى أن نشرها لم يكن مناسبا.

أما في إيطاليا، فقد تناولت صحف بارزة كـ”لا ريبوبليكا” الموضوع من زاوية النقد السياسي، معتبرة أن هذا التصرف يعكس “نزعة استعراضية” تتجاوز ما يمكن قبوله في التفاعل مع الرموز الدينية، خاصة من شخصية عامة لها سجل طويل في توظيف الرمزية المسيحية في حملاتها الانتخابية.

وفي المقابل، دافع ترامب عن الصورة، معتبرا إياها “دعابة خفيفة”، وأكد أن كثيرين، بمن فيهم زوجته ميلانيا، رأوا فيها شيئا من الطرافة.

وشارك عدد من حلفائه هذا الرأي، من بينهم السيناتور “ليندسي غراهام”، الذي كتب منشورا تهكّميا على “إكس” مرحبا بفكرة “بابوية ترامب” كـ”مرشح مفاجئ”، في إشارة ساخرة إلى مجريات “الكونكلاف”.

كذلك، اعتبر الناشط اليميني “جاك بوسوبيتش” أن “السخرية من البابوية” تجري بشكل طبيعي حتى داخل الأوساط الكاثوليكية، مشددا على ضرورة التفريق بين الإساءة المقصودة والدعابة العامة.

ويظهر هذا التباين في المواقف جدلا أوسع حول الحدود الفاصلة بين حرية التعبير واحترام الرموز الدينية، لا سيما في عصر تزداد فيه قدرة الأدوات التكنولوجية على إنتاج صور ومضامين رمزية بسرعة وانتشار غير مسبوق.

كما يسلط الضوء على هشاشة العلاقة بين الفضاء الرقمي والمجال الديني، حيث قد يُفهم المحتوى الفكاهي أو الانتخابي بشكل مغاير لدى أطراف متعددة وفقا للسياقين الثقافي والديني.

ومن زاوية تحليلية، يمكن فهم هذا الحدث ضمن دينامية أوسع تتداخل فيها السياسة مع الدين والتكنولوجيا، فترامب، الذي لا ينتمي إلى الكنيسة الكاثوليكية، دأب على استخدام الرموز الدينية المسيحية، خاصة الإنجيلية، في سياق سياسي يهدف إلى استمالة شرائح محافظة من الناخبين، غير أن صورة “البابا ترامب” جاءت في لحظة دقيقة من حياة الكنيسة، ما جعلها تخرج من نطاق المزاح الانتخابي إلى مجال حساس يمس مشاعر الملايين ممن يرون في البابوية مقاما روحيا لا يجوز التلاعب به رمزيا، حتى بصورة رقمية.

ولا يمكن فصل هذه الواقعة عن البيئة الإعلامية الأمريكية، حيث بات استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى ساخر أو مثير جزء من أدوات الخطاب السياسي والشخصي على السواء، ومن ثم فإن السؤال المطروح لا يخص ترامب وحده، بل يمتد إلى الدور الجديد الذي باتت تلعبه التكنولوجيا في إعادة تشكيل العلاقة بين السياسي والديني، بين ما هو رمزي وما هو رقمي، وبين ما يُعتبر إساءة وما يُعد تعبيرا حرا.

وبناء على ما أفرزته من ردود فعل متباينة، تُمثل هذه الواقعة اختبارا حقيقيا للمؤسسات الدينية والسياسية والإعلامية في كيفية التعامل مع الرموز الدينية داخل الفضاء الرقمي، حيث تتداخل حدود الجد والهزل، وتتماهى الفروق بين النقد والسخرية، وتتقاطع مفاهيم حرية التعبير مع ضرورات الضبط والاحترام الرمزي.