21 أبريل 2025 / 17:24

تحولات القراءة عند الشباب.. من عبد الله العروي إلى أسامة مسلم!

سليمة عبد الجليل بنجلون

في السنوات الأخيرة، شهدنا تحوّلاً جذريًا في علاقة الشباب العربي عمومًا، والمغربي خصوصًا، مع الكتاب والقراءة. لم يعد المثقف التقليدي، بما يحمله من خلفية فكرية رصينة، هو المرجع الأول لهذا الجيل. بل بات شباب اليوم يصطفون في معارض الكتاب ليس لاقتناء أعمال عبد الله العروي أو قراءات محمد عابد الجابري، بل لنيل توقيع من أسامة المسلم أو التقاط صورة مع أحمد آل حمدان. وهنا، لا بد أن نتساءل: هل نحن أمام انهيار ذائقة؟ أم أمام فشل النخبة الفكرية في مواكبة تحولات مجتمعهامفكرون في أبراجهم العاجية

تكاد تتفق مجمل القراءات النقدية الحديثة على أن النخبة الفكرية في العالم العربي – بوجه عام – تعاني من انفصال شبه كامل عن السياق الاجتماعي والثقافي الجديد الذي تعيشه الأجيال الشابة. ففي زمن تنتشر فيه وسائل التواصل الاجتماعي، وتُختصر فيه المعرفة في 15 ثانية على “تيك توك”، لا يزال العديد من المفكرين يعيشون في فلك المصطلحات البنيوية والسيميائية، ويتحدثون بلغة أكاديمية مغلقة لا تصل إلى جمهورهم المفترض. لقد تحوّل بعض المفكرين إلى حراس متحجرين للمعنى، يكررون خطاباً نخبوياً مرهقاً، يتسم بنوع من الشعور بالتفوق والتعالي على العامة، وكأن الجمهور لا يستحق غير التوبيخ أو الشفقة.

هذا التباعد الخطابي بين النخبة والشباب أوجد فراغاً رهيباً في الوساطة المعرفية والثقافية، فراغ سرعان ما ملأته أسماء جديدة قد لا تحمل خلفية فكرية صلبة، لكنها تعرف كيف تتحدث إلى جمهورها بلغته، وكيف تلامس همومه، حتى وإن كان ذلك عبر رومانسية مفتعلة أو رعبٍ سطحي.تضخم الأنا والنرجسية الفكرية

من المفارقات اللافتة أن بعض المفكرين المعاصرين يرفضون مجرد التفكير في التفاعل مع الفضاء الرقمي، إما بذريعة الحفاظ على هيبة الفكر، أو بدعوى أن “السوشيال ميديا” تفسد المعنى وتفرّغ الخطاب من مضمونه. غير أن هذا الموقف، في العمق، يخفي خوفًا من فقدان السيطرة، ومن انكشاف عدم القدرة على التأقلم مع الأدوات الجديدة. بل ويُغذّي نوعًا من النرجسية الفكرية، حيث يتحول المفكر إلى مرجع مغلق على ذاته، يرفض الانخراط في الفضاء العام، إلا وفق شروطه الخاصة، المتمثلة في المنابر التقليدية: الندوات الجامعية، المجلات الورقية، أو المؤتمرات الرسمية.

هذه الوضعية جعلت من المفكر العربي كائناً غريبًا في زمانه، يتحدث بلغة لا يفهمها جمهوره، ويهتم بمواضيع لا تلامس همومه، وهو ما أضعف مكانته الرمزية، وترك الشباب يبحثون عن بدائل.
تيك توك كمنصة جديدة لبناء رموز سردية

لنكن واقعيين: إن ظاهرة “روايات التيك توك” لم تأتِ من فراغ. إنها نتيجة مباشرة لغياب مشروع ثقافي حيوي ومفتوح على التحولات الجيلية. فالشباب، في نهاية المطاف، لا يبحث عن التفاهة لذاتها، بل يبحث عن من يسمعه ويخاطبه ويعترف بحاجاته. إن عبارة مثل: “نحن نحب حين لا يجب، ونبكي حين لا نُحتمل”، رغم سطحيتها، تحمل تعبيرًا عن قلق وجودي ووجداني حقيقي يعيشه هذا الجيل. في المقابل، لم يعد الشباب يجد في كتابات المفكرين الكبار سوى اللغة الفوقية، والأجوبة المنسوخة من زمن آخر.

إن نجاح روايات أسامة المسلم أو أحمد آل حمدان، رغم طابعها التجاري، يعود إلى امتلاكها قدرةً على خلق التفاعل، وعلى تقديم منتج رمزي يتماهى معه المتلقي الشاب. وقد فشل مثقفونا، بكل ما يحملونه من رصيد فكري، في تقديم البديل المقنع.
نحو خطاب ثقافي جديد يراعي التحولات

ما نحتاجه اليوم ليس التهجم على روايات الشباب أو السخرية من عناوينها، بل مراجعة نقدية شاملة لخطاب النخبة، وتفكير جاد في أدوات إيصال الفكر. إن التحدي الحقيقي لا يكمن في “السطحية” التي تسود بعض الإنتاجات الأدبية الجديدة، بل في عجز المثقف عن تحويل قضايا الفكر الكبرى إلى أسئلة يومية تُقارب بلغة معاصرة.

لقد حان الوقت لتكريس نماذج جديدة من المفكرين القادرين على الظهور في “تيك توك” دون أن يفقدوا عمقهم، وعلى الكتابة بلغة بسيطة دون أن يضحّوا بأفكارهم. المفكر الذي لا يستطيع التعبير عن فكرته في دقيقة، قد لا ينجح في إيصالها حتى في مائة صفحة.
الانفصال بين النخبة المثقفة والجيل الجديد من القراء لم يكن حتميًا، بل هو نتيجة سياسات ثقافية مغلقة، وأوهام نخبوية حالت دون تجديد الخطاب. وبينما كان المفكر يردد في صالونه الأكاديمي أن “الزمن رديء”، كان الشاب في ركن معرض الكتاب يلتقط صورة مع مؤلف رواية عنوانها: “وماتت بعد أن همس لها الشيطان بكلمة أحبك”.

رابط صفحة الكاتبة على فيسبوك:

https://www.facebook.com/share/14vf3NgcZyn/