15 أبريل 2025 / 21:05

العالم الإسلامي ونهاية صراع الحضارات: رحلة مع ماركس وإدوارد سعيد وفرانز فانون

نادية عطية
ترامب ليس رجل سلام بل هو رجل امريكا التي لم تعد قادرة على خوض حروب خسرت فيها كثيرا، من الفيتنام إلى افغانستان والعراق، الجنود الامريكيون يرفضون الموت في أراض لا تعنيهم، وبالرغم من أن أوكرانيا أو تايوان أو إيران قد تكون الأهم، إلا أن أمريكا تتراجع نحو غريلاند وكندا بل ونحو الداخل الامريكي.

يجب ان ندرك ان ما ينهار اليوم هو منظومة العولمة ومعها النموذج النيوليبرالي الذي جعل من الاقتصاد شانا منفصلا عن السياسة بحيث ان السوق يقفز على الدولة، هو نموذج: السوق هو كل شيء وهو القادر على تنظيم شؤونه بكل حرية. وبالطبع هذا النموذج رافقته نماذج قيمية تدعو الى تفكيك البنيات الجماعية وتعلي من شان الاستهلاك والرداءة. لكن هذا النموذج بدا في الانهيار منذ الازمة المالية لسنة 2008.

الترامبية ليست عتها او حماقة بل هي النتيجة الحتمية لكل الازمات والانهيارات. النموذج الأمريكي القائم على الاستهلاك والخدمات والمضاربات المالية أكثر من الصناعة والانتاج لم يعد مجديا وأمريكا لم تعد تستفيد من منظومة العولمة وهي مجرد سوق استهلاكي لا يستهلك بضائعها كما ان بضائعها لا يمكن تسويقها في العالم اجمع بسبب ضعف القدرة الشرائية لمواطني العالم.

إن مشكلة امريكا في تايوان مثلا ليست انها لا تريد للصين ان تتوسع أكثر بل لأن الصناعات الأمريكية التكنولوجية بالخصوص مرتبطة بتايوان بشكل عضوي واستيلاء الصين على تايوان يعني نهاية التكنولوجيا الامريكية.

ما يفعله ترامب اليوم هو محاولة لعزل الصين عالميا، محاولة بئيسة لحماية الاقتصاد المحلي الامريكي، اقتصاد الصناعة بالخصوص، محاولة للتملص من نظام المساعدات والاستخبارات للبلدان الفقيرة، الكف عن القيام بدور شرطي العالم في مقابل منافسة الصين للقيام بدور تاجر العالم.

والصين تدرك الامر جيدا فهوان نجح في دفع العالم إلى عزل الصين فهي ستحرم العالم ليس من بضائعها بل من معادنها النادرة. هو يفرض الضرائب الجمركية ويتراجع عنها بعد تحقيق اي مكسب وهي ستوقف أي إنتاج أن توقف إنتاجها. هذه هي الحرب الأساسية في العالم، وهي الحرب الاخطر في العالم. وما الحروب السياسية والعسكرية وتصاعد اليمينيات والفاشيات سوى تداعيات لكل هذا.

مع الترامبية ستنهار امور كثيرة وسيعيش العالم اسوأ ايامه لكن مع الترامبية ستتربع الماركسية والاقتصاد السياسي ثانية على عرش الفكر لتوضيح مع يجري، وإذا كان هنتغتون قد سطر نهاية نهاية التاريخ بإبداعه لصراع الحضارات فالترامبية ستجعلنا نرى كيف ان هذا الصراع مجرد هراء وان كل الصراعات تدور رحاها الحقيقية في منطقة اخرى غير منطقة الثقافي والعرقي والديني والقومي.

اعتبر أن اهم ما كتب عنه إدوارد سعيد وحاضر فيه في آخر أيامه هو دحضه لنظرية صدام الحضارات بل اعتباره ان نظرية هنتغتون لها وظيفة لدى الإمبريالية كما اعتبر الاستشراق اداة للهيمنة برؤية فوكوية تعتبر المعرفة جزءا من آليات السلطة.

عندما كتب هنتغتون بأن الجيوش هي الوحيدة التي يمكن أن تنقل الحضارة للعالم المتخلف قادت أمريكا مجموعة من الانقلابات العسكرية ثم حين كتب صراع الحضارات فلم يكن هذا اعتباطا، بشكل هجين قسم هنتغتون العالم الى مجموعة من الكتل التي تنتمي لحضارة معينة جوهرها المعتقد الديني تماما كما قسم الاستعمار المستعمرات السابقة بالمسطرة والقلم في خرائط عجيبة.

في تصوري التفتيت الهوياتي والاثني الذي يعاني منه عالم الجنوب مرتبط أساسا بالاستعمار القديم، والجديد الذي عنوانه العولمة.

الاسلام السياسي ليس ظاهرة مرتبطة بانبعاث إرث الماضي بل هو مرتبط اساسا بإكراهات الدولة الحديثة وتداعيات سقوط الخلافة الاسلامية، واما الارهاب فهو ليس عطبا في الذاكرة الاسلامية بل هو ظاهرة مرتبطة بأزمة الحداثة نفسها. هذا العدو الجديد الذي جعل منه هنتغتون التهديد الكبير للحضارة الغربية هو النتيجة والغذاء في نفس الوقت.

قادت امريكا حروبها العولمية الاستعمارية على العراق وافغانستان بنبرة حضارية وهذه الحروب نفسها من جعلت هذه البيئة مناسبة لانتعاش الجماعات الاصولية بأسقاط الدول أو كرد فعل على محاولات التنميط والهيمنة. لكن المشكلة الاساسية في نظري وهي انه في الوقت الذي تنهار فيه العولمة وتكون الصين كقوة اقتصادية وعسكرية وسياسية كبرى هي أكبر تهديد للغرب تحت مسميات الحرب التكنولوجية والمالية لا زال العالم الاسلامي يجتر اوهامه الحضارية والثقافية والدينية.

العالم الاسلامي ليس واحدا فما بين إيران المرتبطة أكثر بمحور الصين وروسيا، وتركيا وقطر المرتبطتين بلوبي العولمة في أمريكا واوروبا والسعودية والامارات اللتين ارتبطت نشأتهما واقتصادهما الطاقي بإنجلترا ثم بأمريكا بشكل عضوي، ثم ماليزيا واندونيسيا اللتين استفادتا من منظومة العولمة ثم الاقتصاديات المتبقية التي كانت قائمة في البداية على الولاء لمعسكر دون اخر وبالتالي على المساعدات والاعانات ثم جلب الاستثمار الذي لم يعد مجديا في ظل انهيار منظومة العولمة. ما بين كل هذه الكيانات الاقتصادية المختلفة والمتخلفة في الكثير من الاحيان يسود التناقض أكثر من أي شيء آخر.

أخطأ محمد الضيف تقديراته حين وجه رسائله للأمة الاسلامية معتبرا ان عملية السابع من أكتوبر هي بداية لطوفان تحرري بوصلته تحرير الاقصى، فكل ما شهدناه طوال أكثر من خمسة عشر شهرا هو تضامن باهت لم يرق الى التضامن مع العراق اوالى تضامن العرب في حرب أكتوبر. واليوم بعد أن أبيدت غزة عن آخرها لا زالت حماس توجه نفس الرسائل لكن هذه المرة لإحباط مخطط التهجير ووقف العدوان فقط.

إنها لمفارقة عجيبة ان قناة الجزيرة التي حين تغطي الحرب التجارية بين الصين وامريكا تدعونا للاستماع لمحللين اقتصاديين لكنها حين كانت تنشر وهم النصر بترديد تحليلات الديوري كانت تجرنا لاعتبار الحرب حربا حضارية ضد الاسلام بحيث تغيب حقيقة الحرب على غزة والتي هي حرب على الانسان وحرب من أجل الرأسمال المالي الامبريالي الصهيوني. بل هي حرب لا يمكن فصلها عن كل الحروب بالمنطقة منذ سياس بيكو ووعد بلفور حتى الآن.

هكذا إذا، وفي الوقت الذي تنتهي فيه نظرية صراع الحضارات لا زال العالم الاسلامي يجترها ليس كمقاومة يمكن ان نعتبرها مشروعة وطاقة تحرر لكن والاخطر كحروب اهلية وطائفية تتجلى واضحة في سوريا وما بين سوريا ولبنان وإيران وتركيا.

سأختم بفرانز فانون الذي أشار في “معذبو الارض” الى انه من الطبيعي ان يلجأ المثقف المستعمر للتنقيب في الماضي للبحث عن مجد يحقق التعويض ورد الاعتبار، لكنه يصر على ان الثقافة القومية ليست تراثا نحاول احياءه بل هي ثقافة جديدة يجب ان تتشكل مع معركة التحرر نفسها، قيم جديدة تتضمن مفهوم الانسان والنظرة لمستقبل الانسانية والوعي بالذات في نفس الوقت، كما يرى انه ان كانت الدعوة القومية هي الانشودة التي قامت عليها معركة الاستقلال فإنها لن تحقق التحرر الكامل إلا إذا تطور الوعي القومي لوعي سياسي اجتماعي.

كما حذر فرانز فانون من منزلق الشعور القومي فاني احذر وبشدة من فخ اسطورة صراع الحضارات الذي سقط فيها العالم الاسلامي والاسلام السياسي خاصة، وانهي بمقولة ادوارد سعيد: الامبريالية والاصوليات القومية والدينية تتغذى من بعضها.