7 أبريل 2025 / 07:30

حين يغيب العقل وتحكم الأنا.. ماذا بقي من الإنسانية؟

كريمة العزيز
في زمن التحولات المتسارعة والتحديات المتفاقمة، يبدو أننا ما زلنا ندور في حلقة مفرغة من الصراع والانقسام، رغم التقدم الهائل في مجالات المعرفة والتنمية الذاتية. أصبح من المعتاد أن نحتفي بالمنجزات البشرية، لكن الواقع يكشف أن الحروب والأزمات لا تزال تتكرر بشكل يطرح تساؤلًا مؤلمًا: هل استفدنا فعلاً من دروس التاريخ؟ وهل نملك القدرة على تفادي أخطاء الأمس؟

المدهش أن تطور الوعي لم يمنع بعض العقول من توظيف قدراتها في الهدم بدل البناء. فما الذي يدفع الإنسان أحيانًا إلى تجاهل العقل؟ أهو غياب الحكمة؟ أم ضعف الإرادة في مواجهة الضغوط والانفعالات؟

التاريخ ليس كتابًا جامدًا، بل سجل حي بالدروس، يفترض أن نقرأه بوعي. ومن المحزن أن الأدوات الفكرية التي طورناها كحضارة لم تُستخدم كما ينبغي لدفع العالم نحو مزيد من التوازن والسلام.

ولعل من المهم، في ظل هذا الوضع المربك، أن نتأمل كيف أُحسن استخدام هذه الأدوات العقلية في بعض اللحظات التاريخية الفاصلة، وكيف كانت نتائجها مبهرة حين وظّفت بعقلانية ومسؤولية.

لقد قدّم التاريخ شخصيات ملهمة اعتمدت العقل والبصيرة في مواجهة المواقف المصيرية، من بينها الملك الحسن الثاني رحمه الله، الذي اختار التريث والحكمة خلال تنظيم المسيرة الخضراء، مؤمنًا بأن السلام والتفكير الرصين أجدى من الصراع، وهو ما عبّر عنه بقوله: “إننا نسعى إلى السلام والاستقرار، ولن نسمح لأي طرف أن يفرض علينا التوتر.”

ونجد أيضًا في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثالًا آخر حين اختار صلح الحديبية رغم ما بدا فيه من تنازل ظاهري، مؤمنًا بأن العقل طريق أقصر لتحقيق السلام ونشر الرسالة.

إن ما نحتاجه اليوم ليس شعارات جديدة ولا تحليلات متعجلة، بل عودة صادقة إلى العقل كمرجعية، وإلى الحكمة كبوصلة، بعيدًا عن منطق الغلبة والانفعال. فحين يغيب العقل وتحكم الأنا، لا يبقى من الإنسانية إلا قشورها.

ولعل الشجاعة الحقيقية اليوم تكمن في أن نراجع أنفسنا، أن نُدرك أن الانفعال لا يصنع قرارات عادلة، وأن الحكمة ليست ضعفًا بل قوة ناعمة تؤسس لعالم أكثر اتزانًا.

في زمن تُصنع فيه الفتن وتُغلف فيه الأخطاء بالشعارات، تبدو العودة إلى جوهر الحكمة والتعقل لا ترفًا، بل ضرورة حتمية لإنقاذ ما تبقى من إنسانيتنا !