26 مارس 2025 / 22:22

“قطوف رمضانية”.. تعظيم قدر الصلاة

ذ.محمد جناي
الحمد لله الذي جعل الصلاة رُكنَ الإسلام الرَّكينَ، وقرة عيون المؤمنين، والصلاة والسلام على النبي الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.

‏إن الصلاة لها منزلة عظيمة في الإسلام؛ فهي من أعظم أركانه، وأهم شعائره، والله تعالى يقول: { ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].

وإنَّ استحضار عظم قدر الصلاة و ما لها من فضائل يحمل المسلم على تعظيمها وشدة الرغبة فيها. فمن فضلها وعظيم شأنها عند الله عز وجل: فرض الصلوات الخمس في السماء.

وذلك في ليلة الإسراء والمعراج، كما جاء في حديث مالك بن صعصعة وأنس رضي الله عنهما، ففرضت عليه خمسون، ثم صارت خمسا؛ رحمة وفضلا من الله تعالى على هذه الأمة المحمدية.

والصلاة مناجاة بين العبد وربه.

فعن أنس رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن المؤمن إذا كان في الصلاة فإنما يناجي ربه). فليستشعر المصلي في صلاته قرب الله منه، وأنه بمرأى منه ومسمع، وأنه مناج له، وأنه يسمع كلامه، ويرى مكانه، ويجيب دعاءه، ويُقبِلُ عليه سبحانه.

ثبت عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن، ويأمر بني إسرائيل إن يعملوا بهن))، وذكر منها:(( وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا؛ فإن الله يُقبِلُ بوجهه إلى وجه عبده ما لم يلتفت).

أي: فلا تتحولوا بوجوهكم عن جهة القبلة أثناء الصلاة، فإن الله يُقبِلُ بوجهه على المصلي ما دام خاشعا، فإذا التفت زال الخشوع وأعرض الله عنه.

والصلاة تمحو الخطايا.

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا).

فكما يًتدَنَّسُ المرء بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه، ويطهره الماء الكثير، فكذلك الصلوات تطهر العبد من أقذار الذنوب، حتى لا تُبقي له ذنبا إلا كفرته، إذا اجتنبت الكبائر ، كما روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر)).

والصلاة راحة.

صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (يابلال، أقم الصلاة،أرحنا بها). فإن في الصلاة من الصلة بالله ومناجاته ما يجعل القلب يرتاح ويخرج من متاعب الدنيا إلى مَعِيَّةِ الحق سبحانه.

والصلاة عون على تحمل الشدائد ومواجهة المصاعب.

قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].

أي: يا معشر المؤمنين، عليكم بالتزام الصبر وأداء الصلاة؛ فهما عون لكم على عظيم الأعمال، من فعل الطاعات، وترك المحظورات، وعلى ما يصيب العبد من مصيبات.

والصلاة هي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة. فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله).

فينبغي للمؤمن أن يحرص على إتقانها وحفظها، وهذا من أسباب توفيق الله له في جميع أعماله بعد ذلك، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.

وأحب الأعمال إلى الله تعالى: الصلاة على وقتها.

روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال:(سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟قال: ((الصلاة على وقتها).

وفي ذلك حث على الإسراع في أدائها، وفي أدائها أول الوقت دليل على أن المسلم يعرف حق الله، ويحافظ عليه، وقد توعد الله تعالى الذين يضيعون أوقات الصلوات فقال فيهم: {فَوَيْلٞ لِّلْمُصَلِّينَ (4) اَ۬لذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} [سورة الماعون]، وهم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو حتى يخرج وقتها.

فمن عناية الله تعالى بشأن الجماعة أنه حث على بناء المساجد ورفعها وعمارتها، والمرابطة فيها والتعلق بها، ورتب على السير إليها أن جعل خطوة تمحو سيئة، وخطوة ترفع درجة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وحذر من التخلف عنها.

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمُرَ رجلا فيصلي بالناس، قم أنطلق معي برجال معهم حُزَمٌ من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار).

وفي الحديث أن الحفاظ على صلاة العشاء والفجر سلامة من النفاق.

وفيه : الحث على شهود صلاة الجماعة ، والتحذير من تركها.

ولا تنسى أن الخشوع في الصلاة هو روحها.

قال الله تعالى: { َاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَوٰةِۖ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ اِلَّا عَلَي اَ۬لْخَٰشِعِينَ * اَ۬لذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمُۥٓ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَۖ (45)} [البقرة: 44 – 45].

فالصلاة سهلة وخفيفة على من خشع فخضع لله تعالى واطمأن إليه قلبه، وظهر أثر ذلك على جوارحه، والخاشعون هم الموقنون بعودتهم إلى الله تعالى.

وأداء الصلاة جماعة شأنه عظيم.

فمن عناية الله تعالى بشأن الجماعة أنه حث على بناء المساجد ورفعها وعمارتها، والمرابطة فيها والتعلق بها، ورتب على السير إليها أجرا في خطواته؛ فخطوة تمحو سيئة، وخطوة ترفع درجة، كماصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحذر من التخلف عنها.

والخشوع في الصلاة هو روحها: قال الله سبحانه: {قَدَ اَفْلَحَ اَ۬لْمُومِنُونَۖ * اَ۬لذِينَ هُمْ فِے صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَۖ } [المؤمنون: 1-2].

ففاز وظفر بخير الدنيا والآخرة المؤمنون الذين من صفاتهم أنهم في صلاتهم خاضعون، متذللون لله ساكنون، متدبرون لما يقولون فيها.

والصلاة هي أفضل ما يدخره المسلم لآخرته.

صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ركعتان خفيفتان بما تحقرون وتَنَفًّلون يزيدهما هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم).

فعندما يموت الإنسان يدرك قيمة الأشياء على حقيقتها، فيدرك أن الأعمال الصالحة التي تزيد ثوابه خير له من متاع الدنيا كله.

فركعتان يسيرتان في القراءة والأذكار، (بما تحقرون)، أي : تستأقلون أجرهم ،(وتَنَفًّلون)، أي: تصلونهما تطوعا لله،(يزيدهما هذا في عمله)، وكأنه يشير إلى قبر قد دفن حديثا ، والمراد به : الميت الذي في القبر، فأجر الركعتين أحي إلى الميت من الدنيا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.