26 مارس 2025 / 16:09

سبع رسائل في الفكر العبري.. إصدار جديد يعيد قراءة المكون اليهودي المغربي

يقدم محمد المدلاوي المنبهي في كتابه الجديد “سبع رسائل في اليهود وفي الفكر العبري”، الصادر عن دار التوحيدي بالرباط في مارس 2025، عملا علميا رصينا ينطلق من فكرة مركزية تتمثل في استكشاف الرافد العبري في الثقافة المغربية وتثمينه بوصفه مكونا أصيلا من مكونات الهوية الوطنية.

ويضم الكتاب، الواقع في 394 صفحة من القطع المتوسط، سبع رسائل علمية متقاطعة، تمتد من سنة 1994 إلى سنة 2024، وتتناول قضايا الفكر العبري، والأدب اليهودي، والمفاهيم المتداخلة بين “اليهودي” و”العبراني” و”الصهيوني” و”الإسرائيلي”، وعلاقة ذلك بالرصيد المغربي المشترك مع الجماعة اليهودية.

ويسائل المدلاوي من خلال هذا العمل المتميز موقع العبريّة في النسق اللغوي المغربي، ويستعرض ملامح مساهمة النخبة اليهودية المغربية في الحقول اللغوية واللسانية والأدبية، كما يقف عند إسهاماتها في الفكر المقارن والأنثروبولوجيا الدينية والتصوف وفن الزجل والمديح.

ويستند في معالجته إلى منهج متعدد التخصصات يجمع بين التحليل الأنثروبولوجي، والدراسة اللسانية، والتحقيق التاريخي، والمرافعة الفكرية، ومن خلال ذلك، يعيد تركيب العلاقة المتشابكة بين الرافد العبري وبقية روافد الثقافة المغربية، مثل الأمازيغية، والعربية، والإسلام، والفرنسية، والإسبانية، ضمن وحدة هوية مركّبة تتجاوز الانغلاق الهوياتي.

وفي تقديمه للكتاب، يشدد الأستاذ إدريس خروز على الطابع التراكمي لهذا العمل الذي يتجاوز التناول المناسباتي نحو مساءلة عميقة لصيرورات التاريخ المغربي، لا سيما بعد دسترة الرافد العبري في ديباجة دستور 2011، وما يقتضيه ذلك من مساءلة لواقع السياسة الثقافية واللغوية في البلاد.

ويؤكد خروز أن المدلاوي قد تمكن، بفضل تحكمه في عدة لغات ومقاربات منهجية، من الولوج إلى النصوص التأسيسية اليهودية بلغاتها الأصلية، وتحليل تمظهراتها في السياقات المغربية.

ويبرز الكتاب كيف أنتجت اليهودية المغربية تقاليد علمية وروحية غنية، في الفقه والكلام واللسانيات والآداب، عبر أسماء من طينة موسى بن ميمون، وابن قريش، وحاييم الزعفراني، وشمعون ليفي، ومخلوف أبطّان، ويوسف شيتريت، وغيرهم من علماء الدياسبورا المغربية الذين حملوا عبق المغرب إلى جامعات العالم.

وتحضر في ثنايا الرسائل السبع قراءات معمقة لفكر التنوير اليهودي كما تجسد في فلسفة موسى مانديلسون، وفي كتابات مخلوف أبطّان التي تُظهر تأثيرات الأنوار الأوروبية في التفكير الديني المغربي، كما يستعرض المدلاوي مدارس التأويل المتعددة داخل اليهودية المغربية، ويقارن بين الطوشافيم (اليهود البلديين) والمكوراشيم (المطرودين من الأندلس)، مبرزا الخصوصيات السوسيولوجية لكل فئة.

ويتناول الكتاب كذلك البعد الجمالي والروحي للرافد العبري، كما تجلى في التصوف الشعبي، وتقديس الأولياء، وفنون النقش والزخرفة، وفي سماعيات الذكر والمديح، من ربّي دافيد بوزاكّو إلى ربّي حاييم لوك، ويمتد التحليل ليشمل الجغرافيا الثقافية المغربية من خلال أسماء الأماكن والأسر ذات الأصول العبرانية، مثل “أيت يعقوب” و”أيت يوسف” و”أيت موسى”.

ويمثل هذا العمل العلمي المركب دعوة واضحة إلى إنصاف هذا المكوّن المغربي، ورد الاعتبار له داخل الفضاء الأكاديمي، وتثمينه في السياسات التعليمية والثقافية، ويشدد المؤلف، في دفاعه العلمي، على ضرورة تحيين المعرفة بالموروث اليهودي المغربي وتحريره من الاختزال والتهميش، وربطه بتدبير المشهد اللغوي المغربي في كليته.