دين بريس
إن قرار الملك محمد السادس بإلغاء شعيرة عيد الأضحى هو فعل سياسي ـ ديني يعكس عمق فهم إمارة المؤمنين لوظيفتها كمرجعية شرعية وسيادية في آن واحد، فهو تعبير عن ممارسة الإمامة بوصفها تكليفا شرعيا متجذرا في البيعة، قبل أن تكون مسؤولية سياسية تستوجب التفاعل مع متغيرات الواقع، حيث تتداخل مقاصد الشريعة مع معطيات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هندسة دقيقة تحفظ التوازن بين الالتزام الديني والمصالح العامة.
وتخول إمارة المؤمنين، بوصفها مؤسسة سيادية قائمة على البيعة الشرعية، للملك سلطة الاجتهاد والتدخل في النوازل الكبرى، وفق قاعدة رفع الحرج التي أرساها القرآن الكريم: “وما جعل عليكم في الدين من حرج”، فالأضحية، وإن كانت سنة مؤكدة، فإنها تبقى مقيدة بشرط الاستطاعة، وعند تعذرها يتحول الواجب إلى الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وهنا تتجلى فطنة الاجتهاد السياسي والديني، حيث تصبح الأولوية لمقصد استقرار الأمة على حساب الممارسة الظاهرية للشعائر.
ولا يقف هذا القرار عند حدوده الإجرائية، بل يمتد إلى أبعاده الرمزية العميقة، إذ حين يعلن الملك أنه سيضحي عن نفسه وعن الأمة، فإنه يستحضر سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويجسد دوره كحامل للأمانة الدينية، من خلال التشريع، وايضا عبر الممارسة الفعلية.
وبذلك أثبتت إمارة المؤمنين أنها كيان سيادي مرن، قادر على استيعاب المتغيرات وإعادة توجيه الممارسات الدينية وفق مقتضيات الضرورة والمصلحة الشرعية، وقرار إلغاء الأضحية، رغم أبعاده الاقتصادية والاجتماعية، هو في جوهره تكريس لفقه المآلات وإدارة الأزمات، حيث لا يمكن فصل الشأن الديني عن تعقيدات السياسة والاقتصاد، وهو ما يجعل القرار تتويجا لمنهج الحكم القائم على مقاربة استراتيجية تجمع بين الشرعية التاريخية والاستجابة للراهن.
والملك في المغرب هو وحده من يجمع بين القرار الديني والسياسي، مما يجعل سلطته تتجاوز الأطر التنفيذية المعتادة، فهو المرجعية العليا في القضايا الدينية والسيادية على حد سواء، ولذلك، لم يكن اتخاذ هذا القرار بحاجة إلى مصادقة الحكومة أو البرلمان، إذ إنه يندرج ضمن صلاحياته المباشرة كأمير للمؤمنين، الحارس على توازنات الشريعة ومتطلبات الواقع.
والرسالة الملكية في جوهرها إعادة تعريف لمفهوم العيد، بوصفه محطة للتكافل والتضامن قبل أن يكون مجرد طقس شعائري، وحين تتعارض الممارسة الدينية مع ضرورات استقرار الأمة، يكون الحاكم الشرعي مطالبا بالتدخل بحكمة ووعي، لإعادة ضبط الأولويات، وفق رؤية تحقق التوازن بين الظاهر والجوهر، بين الدين والسياسة، وبين العقيدة والمصلحة العامة.
إن قرار إلغاء عيد الأضحى هذا العام هو تأكيد على أن إمارة المؤمنين تبقى المرجع الأعلى في تدبير الشأن الديني والسياسي، بمرونة تستوعب تحديات الزمن دون أن تفقد عمقها الشرعي والروحي.
إنه درس في فن إدارة الأزمات، حيث تلتقي الأصالة مع البراغماتية، ويتجسد الاجتهاد في صورة قرار يراعي مصلحة الأمة قبل أي اعتبارات أخرى، تحت مظلة أمير المؤمنين، الضامن لوحدة العقيدة والسياسة في المغرب.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23735