تحرير: مختبر السرديات
يقدم الباحث الأنثروبولوجي حسن رشيق، في آخر مؤلفاته البحثية ” المغرب القروي، قاموس سوسيو أنثروبولوجي”، دراسة معمقة عن المغرب القروي، حيث يتناول أهم المفاهيم والممارسات الاجتماعية والثقافية التي تميز هذا المجال.
ينطلق حسن رشيق من فكرة أن عالم الفلاح المغربي، سواء على المستوى المؤسسي أو الذهني، يتميز بتعقيداته وتشابكاته التي تتجاوز التصنيفات البسيطة. فالقرية المغربية ليس مجرد فضاء للزراعة وتربية الماشية، بل هي منظومة اجتماعية وسياسية واقتصادية قائمة على تقاليد متوارثة وعلاقات متشابكة.
;يُركز الكتاب على تحليل المفاهيم الأساسية التي تشكل البنية الاجتماعية في القرية، مثل القبيلة، الجماعة (“الجماعة” أو “الجماعة القروية”)، الشرف، والتضامن الاجتماعي. كما يستعرض أنماط التنظيم التقليدي، مثل تقاسم الموارد، نظام الري الجماعي، وآليات حل النزاعات المحلية. كما يشير إلى أن دراسة أي نشاط بسيط في البادية، مثل ريّ حقل، يمكن أن تفتح المجال لفهم شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، التي تشمل التقاليد، والسياسة المحلية، والهياكل التنظيمية مثل “الجماعة”.
ويعد هذا القاموس ثمرة عقود من البحث الميداني الذي أجراه حسن رشيق منذ ثمانينيات القرن الماضي، بالاعتماد على منهجية تجمع بين التحليل النظري والمعاينات الميدانية. ويشمل الكتاب أكثر من مائة مدخل تقدم تعريفات دقيقة ومبسطة لمفاهيم محورية في المجتمع القروي المغربي، مما يجعله أداة مرجعية للباحثين والمهتمين بالمجال.
كما يتناول رشيق أيضًا مسألة الهوية والتغير الاجتماعي في القرية المغربية، مشيرًا إلى التحديات التي تواجه البنية التقليدية في ظل التحولات الاقتصادية والسياسية. فالحداثة والتوسع العمراني والهجرة الداخلية أثرت بشكل كبير على أنماط العيش في القرى، مما أدى إلى تراجع بعض القيم التقليدية وبروز أشكال جديدة من التنظيم الاجتماعي.
يولي الكتاب اهتمامًا خاصًا لموضوع القانون العرفي (“الحق العرفي”) ودوره في ضبط العلاقات داخل المجتمع القروي، حيث يوضح كيف تتداخل العادات والتقاليد مع القوانين الرسمية في إدارة الموارد وتسوية النزاعات. كما يناقش مفاهيم مثل “التويزة” (التعاون الجماعي)، والتي تعكس روح التضامن والتكافل داخل المجتمعات الريفية.
يمكن اعتبار”المغرب القروي: قاموس سوسيولوجي-أنثروبولوجي” عملاً مرجعيًا غنيًا يوفر رؤية دقيقة للحياة الاجتماعية والثقافية في الريف المغربي، حيث يقدم إطارًا لفهم البنية الاجتماعية التقليدية، كما يسهم في تحليل التغيرات التي يشهدها هذا المجال في ظل العولمة والتحولات الاقتصادية.
حسن رشيق أنثروبولوجي وأستاذ سابق بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وأستاذ منتسب بجامعة محمد السادس، وأستاذ زائر في جامعات أمريكية وأوروبية وعربية.
له عدد من المؤلفات التي يبلور فيها أفكاره ويطورها انطلاقا من العمل الميداني:
-المقدس والتضحية في الأطلس الكبير (1990)
-سلطان الآخر: الطقوس والسياسة في الأطلس الكبير (1992)
-كيف تبقى بدويًا؟ (2000)
-ترميز الأمة (2003)
-القريب والبعيد: قرن من الأنثروبولوجيا في المغرب (2012)
-روح العمل الميداني (2016)
-مديح الهويات المرنة (2016)
-السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا في البادية المغاربية (2019)
-أن تصبح أنثروبولوجيًا في وطنك (2022).
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23350