التنافر المعرفي في تدبير المساجد في سياق الهجرة

استراتيجيات لتحقيق التوازن بين الهوية الدينية ومتطلبات الاندماج

دينبريس
آراء ومواقف
دينبريس8 فبراير 2025آخر تحديث : السبت 8 فبراير 2025 - 1:14 مساءً
التنافر المعرفي في تدبير المساجد في سياق الهجرة

محمد عسيلة
بصفتي فاعلًا مدنيًا أتابع عن كثب قضايا تدبير المساجد المغربية في المهجر، أجد أن هناك العديد من التقاطعات بين عملي المؤسساتي وانشغالاتي الأكاديمية، خصوصًا فيما يتعلق بالبحث في قضايا الدين والثقافة والهجرة. إذ تمثل المساجد في دول المهجر فضاءات مركزية للممارسات الدينية والحفاظ على الهوية، لكنها في الوقت ذاته تواجه تحديات معقدة ناتجة عن تعدد المرجعيات الثقافية، ومتطلبات الاندماج، والتأثيرات القانونية والسياسية في المجتمعات المضيفة.

في سياق تدبير المساجد في دول المهجر، يلعب التنافر المعرفي دورًا جوهريًا في تفسير الصراعات الداخلية التي يواجهها الأفراد والقائمون على إدارتها. وفقًا لنظرية ليون فستنجر (1919-1989)، وهو عالم نفس اجتماعي أمريكي اشتهر بنظريته حول التنافر المعرفي ونظرية المقارنة الاجتماعية، يحدث التنافر عندما تتعارض معتقدات الشخص وقيمه مع سلوكياته أو معطيات الواقع الجديد، مما يولد توترًا نفسيًا يدفعه للبحث عن سبل لتقليل هذا التناقض. يظهر هذا التنافر في عدة إشكاليات، منها التوفيق بين القيم الدينية ومتطلبات القوانين المحلية، وازدواجية الخطاب الديني بين الأئمة والجاليات المسلمة المتعددة المرجعيات، إضافة إلى التحديات المرتبطة بالتعددية الفكرية داخل الجالية المسلمة وعلاقة المساجد بالمؤسسات الرسمية في الدول المضيفة.

كما يتجلى في مطالب الأجيال الجديدة من المسلمين، الذين يبحثون عن نموذج ديني يتلاءم مع هويتهم المزدوجة، دون أن يشعروا بالاغتراب عن جذورهم الثقافية أو بالانفصال عن واقعهم الاجتماعي. إن هذه التحديات تتطلب مقاربة مرنة تعتمد على تطوير آليات جديدة لتدبير متطلبات المساجد و صناعة مخرجات وخطاب ديني يراعي السياق الأوروبي، وتعزيز مهارات القائمين والساهرين على تدبير المساجد ودعم وتطوير كفاءات السادة الأئمة في التواصل بين الثقافات مع إعطائهم الوقت الكافي في حصص خارجة عن عطلهم الرسمية وتحسين أجورهم وسياقات عملهم، وإشراك الشباب في إدارة المساجد بعد تكوينهم، إلى جانب العمل على ضمان شفافية التمويل واستقلالية القرار، بما يسهم في تحقيق التوازن بين الهوية الدينية ومتطلبات الاندماج.

يهدف هذا المقال إلى تحليل هذه الإشكاليات من منظور علم النفس الاجتماعي والدراسات الثقافية، مع اقتراح استراتيجيات عملية لتقليل التنافر المعرفي وتحقيق توازن مستدام في إدارة المساجد في سياق الهجرة.

1. مفهوم التنافر المعرفي وأبعاده النفسية والاجتماعية
التنافر المعرفي هو حالة نفسية غير مريحة تنشأ عندما يتبنى الفرد أفكارًا أو معتقدات متناقضة أو عندما يتصرف بطريقة تتعارض مع قناعاته الداخلية. هذه الحالة تخلق توترًا داخليًا يدفع الإنسان إلى محاولة استعادة التوازن النفسي عبر تغيير سلوكه أو إعادة تفسير مواقفه أو البحث عن مبررات تقلل من هذا التناقض. وفقًا لليون فستنجر، الذي طور هذه النظرية، فإن الإنسان يسعى بطبيعته إلى تحقيق انسجام داخلي بين معتقداته وأفعاله، وعندما يحدث خلل في هذا الاتساق، فإنه يشعر بعدم الارتياح النفسي الذي يسعى إلى تجاوزه بوسائل مختلفة.

يتجلى التنافر المعرفي في العديد من جوانب الحياة اليومية، مثل اتخاذ قرارات متسرعة ثم البحث عن مبررات تدعم صحتها، أو الشعور بالذنب عند التصرف بطريقة تخالف القيم الشخصية، أو حتى محاولة مواءمة القناعات الدينية أو الثقافية مع متغيرات الواقع الجديد في المجتمعات المتعددة الثقافات. على سبيل المثال، قد يواجه المسلمون في دول المهجر تنافرًا معرفيًا عند محاولتهم التوفيق بين التقاليد الدينية ومتطلبات القوانين المحلية التي قد لا تتوافق مع بعض جوانب ممارساتهم. في هذا السياق، يمكن أن يشعر الفرد بالتوتر إذا كان مقتنعًا بضرورة الالتزام بتعاليم دينية معينة لكنه في الوقت نفسه يجد صعوبة في تطبيقها بسبب قيود اجتماعية أو قانونية.

يحدث التنافر أيضًا عند التفاعل مع الجماعات المختلفة داخل المجتمع، حيث يجد الأفراد أنفسهم أحيانًا في موقف يضطرون فيه إلى التعبير عن آراء أو اتخاذ مواقف لا تتماشى تمامًا مع قناعاتهم الحقيقية لتجنب الصراعات أو لضمان القبول الاجتماعي. على سبيل المثال، قد يواجه بعض القائمين على إدارة المساجد تحديات في الحفاظ على خطاب ديني متوازن يلبي توقعات شرائح مختلفة من الجالية المسلمة، خاصة في المجتمعات التي تضم مسلمين من خلفيات ثقافية ومذهبية متعددة. هذه الضغوط قد تؤدي إلى تنافر معرفي عندما يشعر القائمون على الخطاب الديني بأنهم مضطرون إلى تبني لغة مرنة تتماشى مع التعددية، في حين أن قناعاتهم الشخصية قد تميل إلى تفسير أكثر تقليدية أو أكثر تحفظًا.

تقليل التنافر المعرفي يتم بطرق مختلفة، حيث يمكن للفرد تغيير سلوكه ليتوافق مع معتقداته، أو العكس، حيث يقوم بتعديل قناعاته لتتناسب مع سلوكه. في بعض الحالات، يسعى الأفراد إلى البحث عن معلومات تعزز مواقفهم الحالية وتقلل من الشعور بالتناقض، وهي ظاهرة تُعرف بالتحيز التأكيدي. كما يمكن تقليل التنافر من خلال تطوير رؤية أكثر شمولية للواقع، بحيث يتمكن الفرد من التوفيق بين القيم المختلفة دون الشعور بالتناقض الداخلي. على سبيل المثال، يمكن للإمام الذي يعاني من التنافر بسبب الضغوط الاجتماعية أن يعتمد نهجًا يعتمد على فقه الأقليات، وهو اجتهاد يراعي ظروف المسلمين في البيئات غير الإسلامية، مما يسمح له بالموازنة بين الالتزام الديني والتكيف مع متطلبات الواقع.

من منظور أوسع، يمكن اعتبار التنافر المعرفي دافعًا إيجابيًا للتغيير والتكيف، حيث يدفع الأفراد إلى إعادة تقييم مواقفهم وتطوير طرق تفكير أكثر مرونة. في سياقات الهجرة والتعددية الثقافية، يعد التعامل مع التنافر المعرفي مهارة ضرورية لتعزيز الانسجام الاجتماعي وتحقيق توازن مستدام بين الهوية الثقافية ومتطلبات الاندماج.

2. التنافر المعرفي في إدارة المساجد في بلاد المهجر
في بلدان المهجر، تلعب المساجد دوراً محورياً في الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية للجاليات المسلمة. ومع ذلك، يواجه القائمون عليها عدة تناقضات معرفية، أبرزها:

1. التوفيق بين الالتزام الديني ومتطلبات القوانين المحلية
ـ بعض الممارسات الدينية قد تتعارض مع التشريعات العلمانية في الدول الأوروبية، مما يخلق حالة من التوتر بين ضرورة الامتثال القانوني والمحافظة على القيم الدينية.
ـ على سبيل المثال، مسألة تمويل المساجد من جهات خارجية تثير مخاوف الحكومات الأوروبية بشأن الشفافية والتأثيرات السياسية، مما يضع إدارات المساجد أمام معضلة إيجاد مصادر تمويل محلية دون الإخلال باستقلالية المسجد.

2. الازدواجية بين الخطاب الديني والواقع الاجتماعي
ـ بعض الأئمة يواجهون صعوبة في مواءمة خطابهم الديني مع واقع المسلمين في المهجر، حيث تختلف التحديات عن تلك الموجودة في البلدان الإسلامية.

ـ قد يتبنى البعض خطابات تقليدية لا تعكس واقع الجيل الجديد من المسلمين الذين نشأوا في بيئات أوروبية، مما يؤدي إلى تنافر معرفي بين ما يسمعونه في المساجد وما يختبرونه في حياتهم اليومية.

3. التعددية الفكرية داخل الجالية المسلمة
ـ تتكون الجاليات المسلمة في المهجر من خلفيات ثقافية ومذهبية متنوعة، مما يؤدي أحياناً إلى صراعات داخلية حول إدارة المسجد وتوجهاته الدينية.

ـ قد ينشأ التنافر عند محاولة فرض رؤية واحدة على مجتمع متعدد، مما يستدعي تبني منهجية شمولية تعترف بالتعددية بدلاً من تعميق الخلافات.

4. العلاقة بين المساجد والمؤسسات الرسمية في الدول المضيفة
ـ تسعى بعض الدول الأوروبية إلى دمج المساجد ضمن أطر قانونية وتنظيمية محددة، مما يخلق جدلاً حول مدى استقلالية هذه المؤسسات.

ـ بعض أفراد الجالية قد ينظرون إلى أي تعاون مع السلطات على أنه تنازل عن المبادئ الدينية، في حين يرى آخرون أنه ضرورة لتعزيز الاعتراف بالإسلام كمكون طبيعي في المجتمع الأوروبي.

3. استراتيجيات تقليل التنافر المعرفي في إدارة المساجد
من منظور علم النفس الاجتماعي، هناك عدة استراتيجيات يمكن أن تساعد على تقليل التنافر المعرفي وتحقيق توازن في إدارة المساجد:

1. التأطير الديني المرن والمتجدد
ـ تبني مقاربة دينية تستند إلى الفقه المدني الذي يعزز التشاركية عوض فقه الأقليات، الذي يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المسلمين في السياقات غير الإسلامية واعتبارهم جزء لا يتجزأ من المجتمع.

وأحببت هنا أن أشير إلى أن استخدام مصطلح “الفقه المدني” بدلاً من “فقه الأقليات” يحمل أبعادًا علمية ونفسية أعمق، تتجاوز المنظور التقليدي الذي يضع المسلمين في المجتمعات غير الإسلامية ضمن إطار الأقلية التي تحتاج إلى أحكام استثنائية. مفهوم “فقه الأقليات” قد يرسّخ شعورًا بالعزلة والانفصال عن المحيط الاجتماعي، مما يؤدي إلى تعزيز التنافر المعرفي بين الهوية الدينية ومتطلبات المواطنة والاندماج.

من ناحية علم النفس الاجتماعي، تصنيف مجموعة على أنها “أقلية” قد يؤثر على تصورها لذاتها ويجعلها تشعر بأنها في موقع ضعف أو في حالة دائمة من التفاوض مع الأغلبية. هذا قد يؤدي إلى تبني آليات دفاعية أو انعزال اجتماعي، بدلاً من البحث عن سبل للتفاعل الإيجابي مع المجتمع الأوسع.

أما “الفقه المدني”، فهو مفهوم أكثر شمولية، يعزز فكرة أن المسلمين في المجتمعات الغربية ليسوا مجرد أفراد يعيشون ضمن “أقلية” تحتاج إلى فقه وفتاوى استثنائية، بل هم جزء من النسيج الاجتماعي والقانوني للدولة، ولهم حقوق وواجبات كمواطنين فاعلين.

من الناحية الفقهية، الفقه المدني يستند إلى مقاصد الشريعة التي تركز على العدالة، المصلحة العامة، والتعايش السلمي، مما يسمح بتطوير اجتهادات مرنة تأخذ في الاعتبار السياقات المتغيرة دون الشعور بالانفصال عن الإطار الديني. هذه المقاربة تساعد في تقليل التنافر المعرفي، لأنها تتيح للأفراد التوفيق بين التزاماتهم الدينية ومتطلبات الحياة المدنية بطريقة طبيعية ومنسجمة، دون الحاجة إلى مواقف دفاعية أو تبريرات استثنائية.

إذن، التحول من “فقه الأقليات” إلى “الفقه المدني” ليس مجرد تغيير اصطلاحي، بل هو مقاربة جديدة تدعو إلى تجاوز عقلية العزلة والانغلاق، وتعزز الانتماء الفعّال إلى المجتمع، مما يساهم في تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي لدى المسلمين في المهجر.

ـ تطوير خطاب ديني يعزز القيم الإنسانية المشتركة مثل التسامح، المواطنة، والتعايش السلمي.

2. تدريب الأئمة على مهارات التواصل بين الثقافات
ـ إعداد برامج تكوينية للأئمة حول التربية الدينية في المجتمعات الغربية، مع التركيز على فهم السياق القانوني والاجتماعي في دول المهجر.

ـ تعزيز مهارات الحوار بين الأديان والتفاعل مع المؤسسات الرسمية بطريقة بناءة.

3. إشراك الجيل الجديد في إدارة المساجد
ـ تشجيع الشباب المسلم في المهجر على لعب دور أكثر فعالية في إدارة المساجد، بما يضمن تلبية احتياجاتهم الفكرية والروحية بشكل أكثر واقعية.

إشراك الجيل الجديد في إدارة المساجد يمثل تحديًا كبيرًا في سياق الهجرة، حيث تختلف المقاربات بين الأجيال حول آليات التسيير واتخاذ القرار. فبينما يعتمد الجيل الأول على نهج يقوم على التشاور غير الرسمي، التنازل، والوسطية للحفاظ على التوازن الداخلي والسلم الاجتماعي، يتبنى العديد من الشباب مقاربات مستوحاة من القوانين الزجرية والمفاهيم الديمقراطية الصارمة، التي قد لا تترك مجالًا للحلول التوافقية أو المرونة في التعامل مع القضايا الداخلية.

هذا التباين قد يؤدي إلى توترات داخلية، خاصة عندما يغيب عن الشباب الفهم العميق للمخيال المغربي، والعرف المحلي، والتقاليد الأصيلة التي شكلت منهجية تدبير المساجد عبر عقود. لذلك، لا يمكن التعويل على إشراك الشباب بشكل مطلق دون أن يكون لديهم تكوين يؤهلهم لاستيعاب هذه التقاليد وفهم كيفية الربط بين المبادئ الحديثة ومتطلبات التسيير الحكيم، بما يحقق الاستمرارية والتكيف مع التحديات المعاصرة دون المساس بالتماسك الداخلي للمجتمع المسلم في المهجر.

ـ دعم مبادرات تربوية واجتماعية تجعل المساجد فضاءات مفتوحة للحوار والتفاعل الإيجابي بين الأجيال المختلفة.

4. تعزيز الشفافية والاستقلالية المالية
ـ البحث عن نماذج تمويل تعتمد على مساهمات أفراد الجالية، مما يقلل من التدخلات الخارجية ويحافظ على استقلالية القرارات الدينية والإدارية للمساجد.

ـ تقديم تقارير مالية دورية تعزز الثقة بين إدارات المساجد والجاليات المسلمة من جهة، وبين المؤسسات الحكومية من جهة أخرى.

إن التنافر المعرفي في إدارة المساجد في سياق الهجرة ليس مجرد مسألة دينية، بل هو قضية متعددة الأبعاد تتطلب معالجة نفسية، اجتماعية، وثقافية متكاملة. من خلال فهم آليات التنافر المعرفي، يمكن للقائمين على المساجد تطوير استراتيجيات أكثر توازناً تساهم في خلق فضاءات دينية تعكس احتياجات المسلمين في المهجر، مع احترام السياقات القانونية والثقافية للدول المضيفة.

إن تجاوز هذه التحديات يتطلب جهداً مشتركاً بين الأئمة، إدارات المساجد، أفراد الجالية، والمؤسسات الرسمية، لضمان استمرار المساجد كمراكز روحية وثقافية تعزز قيم الانتماء والمواطنة دون الوقوع في فخ التناقضات المعرفية.

في ختام هذا المقال الذي وددت أن أفتح به النقاش داخل تجمعاتنا ومساجدنا، يصبح من الضروري إرساء مجالس حكماء تتألف من شخصيات ذات تجربة طويلة، ودراية عميقة، ورؤية استراتيجية في تدبير الأزمات والتوترات. هؤلاء الحكماء، الذين يتمتعون بنفس طويل وحكمة في معالجة الخلافات، ينبغي أن يكون لهم دور محوري في ضبط مسار إدارة المساجد، وحماية وحدتها، ومنع انزلاقها إلى النزاعات الداخلية أو التورط في القضايا القضائية التي تضعف تماسكها.

إن بعض الأفراد، بسبب نقص الخبرة أو الدوافع الشخصية أو سوء الفهم العميق لدور المسجد كفضاء جامع، يدفعون هذه المؤسسات إلى صراعات مجانية لا تخدم إلا الانقسام والتشرذم، وهو أمر يتعارض مع فلسفة المسجد كرمز للوحدة والسكينة الروحية. ولهذا، فإن مجالس الحكماء يجب أن تكون صاحبة الكلمة الفصل في منع هؤلاء من تقلد أدوار تسييرية أو اتخاذ قرارات فردية تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي. كما ينبغي أن تكون هناك آليات تواصل شفافة مع أفراد الجالية، عبر لقاءات دورية أخوية، يتم فيها إبلاغهم بالمداولات والقرارات الصادرة عن هذه المجالس، في إطار نهج ديمقراطي تشاوري يحفظ وحدة الصف ويعزز الثقة بين مختلف مكونات المسجد.

للأسف، نرى اليوم بعض الأشخاص يهدمون بمعاول الجهل ما بُني على مدى عقود من العمل الجماعي والتراكم الحضاري والفكري والتربوي داخل المساجد، دون أن تكون هناك آليات فعالة للتدخل ومعالجة هذه الظواهر في إطار داخلي متزن. وهذا ظلم بينٌ لا بد من مواجهته بالحق والعدل، وبكلمة طيبة، ولكن أيضًا بآليات زجرية داخلية متى استدعى الأمر ذلك، على أن تكون هذه الآليات مؤطرة بروح المسؤولية والإنصاف، وبعيدة عن أي شكل من أشكال التسلط أو الإقصاء غير المبرر.

إن صيانة وحدة المساجد في المهجر مسؤولية جماعية، تتطلب حكمة في التدبير، وصرامة في مواجهة الانحرافات، والتزامًا بالمصلحة العليا التي تتجاوز المصالح الشخصية أو الحسابات الضيقة.

يبقى السؤال الملح: إلى متى سنظل نرى بعض مساجدنا تتحول إلى ساحات صراع بدل أن تكون واحات سلام؟ لماذا يُسمح لأفراد لا يملكون الحد الأدنى من الدراية بتاريخ الجالية وتقاليدها أن يتصدروا المشهد ويفرضوا رؤى قاصرة على الجميع؟ هل أصبح المسجد مجرد ساحة لتجارب شخصية ومنافسات ضيقة، أم أننا بحاجة إلى وعي جماعي يعيد للمسجد هيبته ورسالته؟ من يملك الجرأة ليقول كفى؟ ومن يتحمل مسؤولية وقف هذا العبث قبل أن تتحول المساجد إلى كيانات مشلولة، عاجزة عن أداء دورها التربوي والروحي؟ هل سنترك الأمر للعشوائية أم أننا مستعدون لإرساء حوكمة رشيدة تضع حداً للانقسامات المجانية التي تهدد مستقبل أجيالنا القادمة؟
ـــــــــــــــــــــ
* استاذ باحث في قضايا الدين والثقافة والهجرة
استاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا
مستشار في قضايا الاندماج والتربية والتعليم لدى هيئات تعليمية ومدرسية ولائية بألمانيا

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.