في كتابها الجديد والصادر حديثا عن دار السلام تحت عنوان ” المرأة المسلمة بين تحديات التمكين وسؤال التنمية ” والمتضمن لحوالي 198 صفحة، تطرح الدكتورة المغربية “مريم آيت أحمد” الباحثة المعروفة والمتخصصة في الفكر الإسلامي، العديد من الأسئلة المقلقة والموجعة لواقع المرأة العربية المسلمة، منطلقة في قراءتها من منظور إسلامي يعلن القطيعة مع القراءة الأحادية للنص الديني والبعيد عن الزمان والمكان المعاش، مع التأكيد على الارتباط الأصيل بالعهد النبوي حيث التجسيد التاريخي والعملي لواقع المرأة ودورها الريادي والتنموي كما أراده الإسلام لا كما أراده فقهاء الإسلام..
المؤلفة وبعد سردها لعدد من الوقائع التاريخية التي رافقت المرأة منذ بداية الإسلام مبرزة دور المرأة في عهد الرسول صل الله عليه وسلم والتمكين الذي مكن لها مستشهدة بعدد من النماذج القيادية للمرأة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام رضوان الله عليهم بدءا من السيدة عائشة راوية الحديث ومعلمة الرجال، وخديجة أول من أسلم، وسمية أول من استشهد، ونسيبة أول مجاهدة، و حفصة أول حارسة للقرآن، وأول هجرة جماعية كان نصفها للنساء والفاروق الذي عين الشفاء على سوق المدينة وناظرة في أحوال الاقتصاد والتجارة..
وتناقش المؤلفة، بقلق بالغ، واقع المرأة في بعض من جوانب الفقه الإسلامي وظلم التاريخ لها.. بين التقديس والتدنيس .. تكريم للإسلام وظلم للتاريخ.. كيف استطاع بعض من قام بالتأويل الخاطئ لعدد من الآيات والأحاديث الخاصة بالمرأة أن ينحرف من المسار الرسالي لعهد النبوة ؟ كيف تم استبعاد وتهميش وإلغاء نصف عقل المجتمع المسلم في ساحة المنافسة الحضارية الإنسانية ؟ وكيف استطاع المجتهدون تعطيل دور المرأة عن القيام بواجبها كما هو على عهد االنبوة ؟ أسئلة عديدة تثيرها المؤلفة بنبرة من الألم والقلق لتضع المرأة بين ثنائيتن أساسيتين أسمتها “ثنائية التقديس والتدنيس” فمن جهة التقديس المرأة مكرمة ومطالبة بأداء دورها الرسالي، ومن جهة التدنيس هناك الخوف من إثارة المرأة للشهوات ما أدى إلى تكبيل قدراتها وحوصرت عطاءاتها و مجالات مشاركتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الموروث الفقهي الإسلامي، وبين ثنائية التقديس والتدنيس انقسمت ‘ تاء التأنيث ‘ إلى :
– اتجاه نسوي يدعو إلى التحرير بمفهومه الاستمتاعي المطلق لثقافة الآخر المغايرة تماما لبيئة وهوية المرأة المسلمة.
– اتجاه تقليدي اكتفى بالوقوف عند عقلية التكريم، ورضي باسم الحفاظ على الإسلام بدعم الموروث الشعبي الثقافي وتغليفه بالدين، الأمر الذي ساهم في إعادة إنتاج لغة الإقصاء.
في هذا السياق تحديدا تُصر المؤلفة على التفريق بين تكريم الإسلام للمرأة وظلم التاريخ الإسلامي لها ؟ فالإسلام كرم المرأة ، لكن هل كرمها الرجل المسلم حين قهرها وظلمها واستبد بحقها في الإرث والتعليم واعتبرها سفيهة في تدبير أموالها ؟ وعلقها لسنوات باسم الطاعة من دون تطليق.. كم من رجل مسلم رمى رفيقة عمره بعد سنوات من العشرة والكفاح باسم حقه في التعدد؟ ما أدّى إلى أن جعل عددا من النساء ينفرن ليس من الرجل وفقط وإنما من الدين ككل، ظنا منهن أن الإسلام هو من أباح كل هذه التصرفات.
ليس الفقه التقليدي الإسلامي وحده الذي لقي نقدا من المؤلّفة، بل حتى الأحكام المسيحية واليهودية المتعلقة بالمرأة نالت سهام الانتقاد، خاصة وأن المؤلفة متخصصة في مجال مقارنة الأديان، حيث استحضرت في مؤلفها عددا من النصوص في الديانة المسيحية واليهودية، التي تخندق المرأة وتكبل قدرتها في العطاء والتمكين، موجهة نداء بصيغة الإنكار لكل الأحزاب في العالم العربي، وكل اليساريين، واللبراليين، والتقدميين، والعلمانيين، بخطاباتهم الحقوقية والإعلامية والفكرية لإنقاذ المرأة الغربية والمسيحية وخاصة الكاثوليكية، من تعنت الدين المسيحي أو المرأة اليهودية، من ثقل التشريعات اليهودية المقيدة بشروط تطبيقية صارمة، هؤلاء المناضلون الذين يصرون منذ عقود على تحرير المرأة العربية من نير الإسلام الذي كبّلها وجعلها حبيسة الحجاب وخاضعة للرجل، هؤلاء المؤدلجون الذين يرفعون أصواتهم للمطالبة بدخول المرأة إلى مجتمع الكرادلة وبحقها في الترشح لمنصب البابا الأعظم. إشكالات عديدة تثار في النقاش الديني لموضوع المرأة تصر المؤلفة على أنه لا علاج لها إلا عن طريق البحث العلمي لتنقيح و تصحيح ما حصل من خروقات في تاريخ الفقه الإسلامي و إعادة النظر في فقه المرأة خاصة، والخروج بها من ردهات التفسيرات الدينية المبنية على قاعدة قيمية ثقافية أساسها منطق ومفاهيم القبلية والعشيرة، عوض ما تستفز به من قراءات من قبل أعداء الإسلام لتوظف للتحريض ضد مبادئ دين الإسلام السمحة، وهو فعل حاصل يواجه جرد فعل مضاد بدون دراسة واعية مستشرفة لواقع تحديات المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية.
المرأة في زمن الربيع العربي.. خريف أم صيف أم شتاء.. كتاب ” المرأة بين تحديات التمكين وسؤال التنمية ” لصاحبته الدكتورة “مريم آيت أحمد ” لم يكن بعيدا عن السياق والواقع العربي المؤلف فيه، فالكتاب يأتي بعد أن شهد العالم العربي مجموعة من التحولات السياسية والمرتبطة خاصة بعلاقة الشعوب مع الحكام، إذ عرفت العديد من البلدان العربية ثورات وهزات جذرية في نظامها السياسي ( تونس، مصر، ليبيا، اليمن، سوريا.. ) وهو زمن ما بات يعرف بالربيع العربي، وظلت المرأة فيه ولا زالت أحد الأركان الأساسية الحاضرة بالفعل في صلب هاته التحولات الاجتماعية، غير أن حضورها في الميادين والساحات والمسيرات الاحتجاجية ظل حضورا كمّيا تأثيتيا بعد أن قزّم الرجل دورها في الفعل القيادي للثورات.هذا ما تقرره المؤلفة بتحليل” ثائر “على الرجل السياسي، الذي ظل يتعامل مع المرأة بكثير من المكر والإقصاء، مكر عند دعوتها للحشود وملئ للتظاهرات، واستبعد ” الرجل ” وقتها كل التفسيرات الدينية المقيدة للمرأة ساعة نزولها للساحات في ثورات الربيع العربي، ولأن الحاجة كانت تقتضي نزولها بالعدد ومشاركتها في التعبئة والتنظيم والمساندة والصمود، وتقديم دماء شهيدات سقطن وهن يدافعن عن الحرية والكرامة المجتمعية للرجل والمرأة عل حد سواء، لم يُحرّك وقتها حينئذ ملف إشكالية النزول من عدمه، ولكن بمجرد انتهاء الثورات وتحقيق النصر، وتسليم نساء الربيع العربي مراكز القيادة للرجل، بدأ الحديث عن مسألة شرعية نزول المرأة للشارع لأنها قد تعرض جسمها للكشف أمام تدخل قوات الجنود، وبدأ الحديث عن المرأة المحترمة التي لا تعرض نفسها لشبهة الاختلاط والنزول من دون محرم، ورفع الصوت في الشارع، وكأن المرأة المناضلة التي قدمت دماءها ودماء أبنائها وبناتها من الشهداء ونصرة قضايا مجتمعها لم تكن حنيئذ محترمة.. وهي كلها أدوات تمهيدية للإقصاء عندما يتعلق الأمر بالتنصيب وتحمل المسؤوليات القيادية. فــ”المرأة” من وجهة نظر المؤلفة، أصبحت في زمن الربيع العربي تتراجع عن أدوار القيادة بعد نضال مرير في ساحات ثورات الربيع العربي، بعد أن تمكنت من حسن التعبئة، ونجحت في استعمال الوسائط الجديدة للتواصل ونزلت إلى ساحات الاحتجاج مطالبة بحق الكرامة والحرية والعدالة، و ضحّت بدمائها واستشهدت كما استشهد الرجل، لكنها رضيت أن تسلم زمام المبادرة والقرار السياسي للرجل..
في المحور المتعلق بواقع المرأة زمن الربيع العربي تجد المؤلفة تثور بــ”شغبها الفكري” على “الرجل” بكثير من الأسئلة المحرجة على أصحاب التمكين السياسي، متسائلة هل الأمر في حقيقته ضعف في التمكين السياسي والقيادي؟ أم هو إقصاء للمرأة بعد نضال مواز للرجل؟ أم أن عدم ثقثها في مهارتها القيادية من ساهم في تراجعها عن المطالبة بحقها في ريادة مناصب سيادة القرار؟ ثم لماذا تخلت المرأة في زمن الربيع العربي عن المطالبة بمشاركتها في مجالس ودوائر صناعة القرار؟ ألم تتمكن المرأة من المبادرة لتحقيق الريادة السياسية واستغلال أكبر فرصة تاريخية لتفعيل قدرات التمكين؟ هل هو ربيع أم خريف أم صيف بالنسبة للمرأة العربية ؟ عن أي تمكين نتحدث اليوم ؟؟ فهل رضيت نساء الربيع العربي بذلك أم أن المرحلة تستدعي مناقشة خريطة البرامج الخاصة بقضايا المرأة والتي زينت بها الأحزاب السياسية ديكورها السياسي بمن هن غير مؤهلات لخوض غمار التجربة السياسية ؟ النقد التحليلي للمؤلفة وبكثير من الجرأة والوضوح اعتبر أن التعطيل من دور المرأة أو الحد منها باسم الدين، يعد تعطيلا لجزء هام من المجتمع فضلا عن أنه مخالف لما أراد الله ورسوله لها من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ولعل المخرج السياسي لبناء الربيع العربي اليوم يحيلنا إلى نتائج تاريخ التراكمات و”التصلبات الجيولوجية” التاريخية التي عطلت دور المرأة، وأدت في عمومها إلى تراجع قدرتها على القيادة في القرار السياسي للربيع العربي..نعم نزلت المرأة إلى الشارع وقدمت دماءها للنضال من أجل تغيير الفساد والمطالبة بالعدالة، ولكن بمجرد انتهاء الثورات سلمت القيادة للرجل؟؟ وتراجعت من حركية الإنجاز الثوري لتستسلم لدورها الشعبوي خارج دائرة الفعل؟ هي أزمة وعي جمعي إذن، هذا ما تقرره المؤلفة بعد أن فشل الربيع العربي في استثمار أكبر فرصة تاريخية يتحقق من خلالها مفهوم التمكين النسوي للمشاركة في القرار السياسي.
الأنوثة الطوعية المؤنثة.. تزيين للديكور السياسي ” الأنوثة الطوعية المؤنثة ” مصطلح تستعيره المؤلّفة للدلالة على صنف من القيادات النسائية داخل الأحزاب السياسية، والتي يؤتى بها من أجل تأثيت الديكور السياسي، وهو صنف تختاره القيادات الحزبية الذكورية لأنوثة مؤنثة طوعية لا تزعجها في قرارها وتصلح لمعايير ومواصفات تزيين الديكور السياسي. وكمتتبع لواقع الأحزاب السياسية خاصة المغربية، أستطيع القول أنه توصيف من المؤلفة فيه كثير من الوجاهة النقدية، وهو ما لمسناه واقعا عندما فشلت الأحزاب السياسية المكونة للأغلبية الحكومية بالمغرب إبّان تشكيلها، حيث وجدت الأحزاب نفسها أمام نخبة من النساء أردنهن بمواصفات خاصة لتوقيع الأنوثة الطوعية السياسية، وحين اقتضى الأمر لترشيحهن لمناصب المسؤولية وجدت نفسها أمام مأزق الخيار الذي همش إدماج الكفاءات الحقيقية بعيدا عن لغة التكتلات والمحسوبيات الضيقة ؟ وعليه تضيف الناقدة، أنه لا يمكن الحديث عن ربيع نسائي في الوطن العربي، خاصة بعد المناصب التي حصلت عليها المرأة متسائلة، هل نتائج (10) مقاعد للنساء قي البرلمان المصري بعد انتخابات الشورى تتحدث عن ربيع نسائي ؟ هل لائحة الاستوزار في الحكومة المغربية التي أفرزت وزيرة واحدة من (32) وزيرا من مؤشرات ربيع عربي لنساء مغربيات فاعلات ؟ هل فشلت الأحزاب السياسية في اختيار الكفاءات ؟ هل حقا لا توجد كفاءات نسائية في ساحات المجتمع المغربي تستحق الترشيح لمناصب وزارة التعليم والسياحة والإعلام والاقتصاد بعيدا عن تموقعها في منصب الأسرة والطفولة ؟ ماهي مواصفات تقييم كفاءة المرأة عند رجال الأحزاب ؟ هل هو غياب شرط الذكورة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية على حد سواء مع الرجل دون تمييز أو تبخيس من أجل تحقيق التمكين وإبراز مساهمتها ودمجها في عملية التنمية الشاملة،هل يكفي أن تكون امرأة برتبة قاضية وأخرى برلمانية ووزيرة وأخريات.. حتى يتم الاطمئنان على وضع المرأة المسلمة في الخطاب السياسي لمجتمعاتنا ؟ هل يكفي هذا أمام واقع يكرس أن الغالبية من النساء في العالم الإسلامي تشمل وعيهن الجمعي على طاعة الاستبداد الناعم وآفاقهم لا تتعدى حدود دائرة الأسرة ومتطلباتها بعيدا عن عالم السياسة الرجولي..
وعن الأسباب وراء هاته النواقص في العمل النسائي للمرأة في العالم العربي، تذكر المؤلفة أن المتتبع لمشاركة المرأة السياسية في بعض المجتمعات العربية والإسلامية تتسم بالسطحية إلى حد كبير، وهو أمر قد يعود لعدة اعتبارات أهمها دور استخدام التفسير الديني في تحجيم دور المرأة سياسيا من حيث كونه موجها رئيسيا في التفاعل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وأنه أداة للاقتناع الفكري والمنهجي عند كثير من الناس، وقد أدى هذا بدوره إلى عرقلة الواجب الرسالي للمرأة ودروها في عمارة الأرض وبناء نهضة أمتها.
كتاب ” المرأة بين تحديات التمكين وسؤال التنمية ” وإن بدا أنه يناقش موضوعا متعلقا بالمرأة والتي قيل وكتب ونسخ عنها الكثير، إلا أنه يناقشها من اتجاه نقدي صادر من الجنس نفسه، فهي من جهة تدلّل على مكانة المرأة وقدرتها على النقاش المعرفي النقدي في القضايا الاجتماعية العامة، ومن جهة هي مادة للموضوع المناقش عالمة وعارفة بأسراره وكوامنه، ولذلك استطاعت من خلال مؤلفها أن تقرّع آذان عدد من التوجهات سواء الإسلامية أو العلمانية التي تعاملت مع المرأة بمنطق التسليع والتبضيع والتأثيث بدل المشاركة والتكامل وتقاسم المسؤوليات. محاور الكتاب متعددة ومتنوعة ومن أهم المواضيع المناقشة فيه بالإضافة لما سبق، مسألة وضعية المرأة في الإسلام ومشكلة الفهم الديني لها، ووضعية حقوق المرأة في واقع الإسلام المفترى عليه، وقضية الخطاب الثقافي الشعبي وتوظيفه للدين، مقترحة العديد من المقترحات العملية في مواجهة التحديات التي تعوق دور المرأة في التنمية زمن الربيع العربي، وخاصة المشاكل المرتبطة بالفقر، والبطالة، والعنوسة، وفشل العلاقات الأسرية، وتفشي العلاقات غير الشرعية وتأثيرها السلبي على المرأة خاصة.. وهي أزمات متوالية ترسبت بعوامل عديدة أهمها جمود الفكر الديني، وهو ما يستدعي معالجة عاجلة ضمن قضايا الإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي من أجل بناء علاقة متينة بين الرجل والمرأة عنوانها “علاقة تكاملية لا تنافسية”.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=2263