إيمانًا منّي بعظمتها، ووثاقة الارتباط بين العربية والدين، أجد نفسي دائما تنازعني للكتابة عنها، تلك اللغة الخالدة، والتي ستظل شامخة، أصلها ثابت، وفرعها في السماء، وإن فرطّنا فيها، فإنما نفرط في واحدة من أهم أسباب وجودنا؛ لأنها لغة الدّين والهُوية.
وعندما نتدبر القرآن الكريم نجد آياتٍ كثيرةً تدل على أنَّ العربية لغة الدين، وهذه السمة قد انفردتْ بها العربيةُ دون غيرها من اللغات الأخرى، إذ قال تعالى: “إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” (سورة يوسف-2). ” إِنَّا جَعَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ”(سورة الزخرف – 3). ” لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ “(سورة النحل -103).
ولنتذكر قصةَ ذلك الرجل مع الرسول – صلى الله عليه وسلم – فعندما رآه قد لحن “أخطأ” في العربية فماذا قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – لمن معه؟ قال لمن معه: “أرشدوا أخاكم فقد ضل”، وعندما مر سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – على قوم يسيئون الرمي فأقرعهم، فقالوا: “إنا قوم متعلمين”، فأعرض عنهم وقال: “والله لخطؤكم في لسانكم أشد من خطئكم في رميكم”، (حيث إن الصواب أن يقولوا: إنا قوم متعلمون).
ويقول سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-:”تعلموا العربيةَ فإنها تكسبُ المروءة”.
ومما يروى عن الحسن البصري في هذا السياق أنه ذات يوم أخطأ في اللغة العربية، فقال: ” أستغفرُ الله، فقيل له: لماذا تستغفر الله يا إمام؟
قال: من أخطأ فيها فقد كذب على العرب، ومن كذب على العرب فقد عمِل سوءًا وقد قال تعالى: ” وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا “(سورة النساء- 110).
إن تلك الآيات القرآنية وهذه المواقف، إنما تدل على أن اللغة العربية فريضة علينا جميعا، سواءً أكنا عربًا أم مسلمين، يجب أنْ نتعلمها ونحسن استخدامها، ونرعاها حقَّ رعايتها.
ولكن الوضع الحالي لا ينمُ على ذلك، فعندما ننظر إلى وضع العربية الراهن، نجد أننا لا نتحدث لغتنا كما ينبغي، ولا نكتبها كما ينبغي، ولعلنا نلاحظ مظاهر كثيرة تدعم ذلك، ومنها:
أولا: ضعف الأداء
حيث نجد الضعف قد شاع وانتشر، وكأنه سباق محموم، نجد الخطأ في القراءة والكتابة، بين الطلاب في المدارس والجامعات، وفي الإعلام المعاصر بشتى وسائله، إذ شارك في هذا السباق بشكل أو بآخر، وقد عبّر عن ذلك الشاعر حافظ إبراهيم- رحمه الله – حيث قال: أَرى كُلَّ يَومٍ بِالجَرائِدِ مَزلَقاً *** مِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ.
ثانيا: إقحام الكلام الأعجمي دون ضرورة.
إذ نرى بعض الأشخاص أحيانا يفتعلون الموقف المعين ليذكروا في حديثهم كلمة أجنبية، إنجليزية كانت أو فرنسية، وصار إطلاق الألفاظ الأجنبية غالبا على أولي الأرحام وذوي القربى بدعوى التمدن والحضارة، وكادت ألفاظ العم والخال والجد والجدة أن تختفي، وحل محلها “الأنكل والطنط أو التنت، كذلك تراجعت كلمة الشكر وحلت محلها “ثانكس” الإنجليزية أو “مرسيه” الفرنسية، كل هذا يحدث دون ضرورة فالحديث بين العرب منهم وإليهم، وهذا يدعو إلى الدهشة والاستغراب.
إنّ التقدم والحضارة بالعلم والعمل، ولا يكون أبدًا بمثل هذا السلوك، الذي أراه تخاذلًا وانهزامًا أمام اللغات الأخرى، رغم أني أشجع تعلم اللغات الأخرى وأحرص عليه، لكن ذلك لا يكون ذريعةً لإهمال لغتنا، فشعور الاعتزاز والانتماء للّغة العربية غائب عن حياتنا الواقعية، إذ نرى معظم العرب واحدًا من اثنين:
أوّلهما: لا يحرص على العربية، ولا يعبأ بها أتهبط أم تعلو؟ أتكون أم لا تكون؟
وثانيهما: يكون ضائقًا بها، كارهًا لها، يراها عائقًا لفكره، وبين هذا وذاك، أناسٌ قليلون، لها محبون، وعليها محافظون، وفي دربها سائرون.
يقول أحمد الزيات باشا- رحمه الله: “إنّ ما تريدهُ اللغةُ العربيةُ من الأمة شيء تلهمهُ العزة، وتمليه الكرامة، فإنّ لغة الإنسان تاريخه وذاته”، ويقول الرافعي- رحمه الله: ” ما ذُلتْ لغةُ شعبٍ إلا ذُل”
فهل من صحوةٍ ثقافيةٍ تنهضُ باللغةِ العربيةِ وتعيدُ إليها مجدها؟
المصدر : https://dinpresse.net/?p=22080