في ديسمبر 2024، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن إطلاق أول استراتيجية وطنية في تاريخ الولايات المتحدة تهدف إلى مكافحة الإسلاموفوبيا والكراهية ضد العرب.
وتأتي هذه الاستراتيجية في وقت حساس، إذ تتصاعد مظاهر العنف والتمييز ضد المسلمين والعرب في البلاد، وتهدف الاستراتيجية إلى مواجهة التحديات التي تواجه هذه المجتمعات من خلال نهج شامل يشمل جميع القطاعات الحكومية والمدنية.
وتركز الاستراتيجية على أربع أولويات رئيسية: تعزيز الوعي بالكراهية ضد المسلمين والعرب من خلال التعليم وجمع البيانات للاحتفاء بتراثهم؛ تحسين الأمن والسلامة عبر تقوية حماية المؤسسات ومعالجة التهديدات الرقمية؛ مواجهة التمييز في مجالات العمل والتعليم والسكن مع توفير تسهيلات للممارسات الدينية؛ وبناء تضامن بين المجتمعات المختلفة للتصدي للكراهية بجميع أشكالها.
وأبرز ما يميز هذه الاستراتيجية هو شموليتها، إذ تتناول قضايا التمييز والكراهية عبر التعليم، الأمن، السياسات المؤسسية، وتعزيز التضامن المجتمعي، وتتضمن الخطة أكثر من 100 إجراء ملموسا يهدف إلى حماية المسلمين والعرب وتحقيق المساواة بينهم وبين جميع الأمريكيين، وتأتي هذه الخطوة استجابة لتاريخ طويل من التمييز ضد هذه المجتمعات، سواء بسبب الحوادث العالمية أو الصور النمطية السلبية المنتشرة في وسائل الإعلام.
وتشير البيانات إلى أن جرائم الكراهية ضد المسلمين والعرب شهدت ارتفاعا كبيرا في السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، سجل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) زيادة بنسبة 1600% في جرائم الكراهية ضد المسلمين في العام الذي تلا أحداث 11 سبتمبر 2001.
وفي الفترة بين 2015 و2016، سجلت الولايات المتحدة معدلات اعتداءات على المسلمين تجاوزت حتى تلك التي وقعت بعد 11 سبتمبر. وفي عام 2023 وحده، تم تسجيل 123 حادثة كراهية ضد العرب وفقا لإحصائيات مكتب التحقيقات الفيدرالي. هذه الأرقام تسلط الضوء على حجم المشكلة التي تواجهها هذه المجتمعات.
ويتجاوز تأثير الإسلاموفوبيا والكراهية ضد العرب حدود الأرقام والإحصائيات، فقد برزت مؤخرا أمثلة مروعة لحوادث كراهية جسيمة، ففي أكتوبر 2023، لقي الطفل الفلسطيني الأمريكي وديع الفيومي، البالغ من العمر ستة أعوام، مصرعه على يد مهاجم بدافع الكراهية، في حادثة هزت الرأي العام الأمريكي. وفي نفس الشهر، تعرضت عاملة بريدية مسلمة في فلوريدا لهجوم عنصري انتهى بحكم بالسجن ثلاث سنوات على المهاجم في أغسطس 2024. وفي مايو 2024، حاولت امرأة إغراق طفل فلسطيني يبلغ من العمر ثلاث سنوات، بدافع الكراهية، وهي الآن تواجه تهمة الشروع في القتل.
وتأتي هذه الجرائم كجزء من نمط أكبر من العنف والتمييز ضد المسلمين والعرب، ما دفع الحكومة الأمريكية إلى تبني سياسات جديدة تهدف إلى تعزيز الحماية، فمنذ عام 2021، خصصت وزارة العدل أكثر من 100 مليون دولار لدعم تطبيق القانون ومنظمات المجتمع المدني لمكافحة جرائم الكراهية، بما في ذلك برامج لزيادة الوعي والتدريب على كيفية الإبلاغ عن الحوادث، كما أطلقت الإدارة برنامج “متحدون ضد الكراهية”، والذي عقد أكثر من 550 فعالية حضرها أكثر من 18,500 مشارك.
وفي جانب التعليم، ركزت الاستراتيجية على مواجهة الجهل المنتشر حول المسلمين والعرب وزيادة الوعي بمساهماتهم التاريخية والثقافية، حيث تضم الولايات المتحدة حاليا حوالي 3.5 مليون مسلم، يشكلون واحدة من أكثر المجتمعات الإسلامية تنوعا في العالم، حيث ينتمي ثلثهم إلى أصول إفريقية. أما العرب الأمريكيون، فتجاوز عددهم 3.5 مليون شخص، ويعتنق معظمهم المسيحية، بينما يمارس آخرون الإسلام.
ومع ذلك، لا تزال الصور النمطية السلبية تلاحق هذه المجتمعات. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن 932 من بين 1000 فيلم أمريكي صورت العرب بشكل سلبي أو نمطي. وللتصدي لهذا، ستعمل الحكومة مع وسائل الإعلام لتحسين تمثيل المسلمين والعرب بطريقة أكثر عدالة وشمولية.
وتشمل الاستراتيجية أيضا تحسين السياسات المؤسسية لضمان العدالة والمساواة، حيث تعمل الحكومة على مواجهة التمييز في التوظيف والتعليم والسكن والخدمات الصحية، كما أنها تسعى لتوفير تسهيلات دينية مثل السماح بالصلاة وتوفير وجبات حلال في المدارس وأماكن العمل، مما يضمن مراعاة احتياجات هذه المجتمعات.
ولم تقتصر الإجراءات على المستوى الداخلي فقط، فقد دعا البيت الأبيض الكونغرس إلى تعزيز الجهود التشريعية لدعم برامج مكافحة الكراهية، بما في ذلك تمويل مشاريع مثل قانون “خالد جبارة وهيذر هيير” لمكافحة الكراهية، وقانون “ماثيو شيبارد وجيمس بيرد”، الذي يدعم التحقيقات في جرائم الكراهية، كما دعت الاستراتيجية الحكومات المحلية إلى تحسين نظم الإبلاغ عن الجرائم وتطوير شراكات مع المجتمعات الدينية.
ورغم هذه الجهود، يظل تحدي الكراهية عبر الإنترنت من أبرز القضايا التي تحتاج إلى معالجة، فتسعى الحكومة للتعاون مع شركات التكنولوجيا لمراقبة ومنع انتشار الإسلاموفوبيا والكراهية ضد العرب على المنصات الرقمية، وتشمل الخطوات المقترحة تحليل بيانات المنصات الاجتماعية وتطوير سياسات تمنع التحريض على الكراهية، مع الحفاظ على خصوصية المستخدمين.
وتُظهر هذه الاستراتيجية التزام الولايات المتحدة بتعزيز قيم العدالة والمساواة، ومن خلال النهج الشامل الذي يتبناه الرئيس بايدن، تسعى الحكومة إلى بناء مجتمع يحتضن جميع أطيافه ويحقق المساواة للجميع، وكما أشار الرئيس بايدن، فإن “مواجهة الكراهية في جميع أشكالها ليس خيارا بل واجبا يعكس جوهر القيم الأمريكية”.
وبالرغم من أن التحديات لا تزال قائمة، فإن هذه الاستراتيجية تمثل خطوة تاريخية نحو تحقيق العدالة وضمان الأمن لكل فرد يعيش على الأراضي الأمريكية.
ويبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن هذه الاستراتيجية من تحقيق أهدافها في ظل التحديات الاجتماعية والسياسية الحالية؟
المصدر : https://dinpresse.net/?p=22028