رمضان بمدينة مكناس .. استعادة دفء العلاقات العائلية من صخب الحياة العادية

دينبريس
غير مصنف
دينبريس17 يوليو 2013Last Update : الأربعاء 17 يوليو 2013 - 6:57 مساءً
رمضان بمدينة مكناس .. استعادة دفء العلاقات العائلية من صخب الحياة العادية

مكناس - باب منصور
مكناس – باب منصور
تحتفي الأسر المكناسية بشهر رمضان الأبرك في أجواء روحانية متميزة بالإكثار من العبادة وإحياء عادات وطقوس رمضانية خاصة بأهل العاصمة الإسماعيلية.

فشهر القرآن لدى المكناسيين مناسبة تستعيد فيها العلاقات العائلية شيئا من الدفء الذي سرقته منها الحياة العادية الصاخبة، ويمثل فرصة نادرة للمّ شمل أفراد الأسرة حول مائدة واحدة بعد أن فرقها نمط الحياة العصرية طوال السنة.

يبدأ أهل مكناس، خاصة سكان المدينة العتيقة، استعداداتهم لصيام شهر رمضان منذ الأسبوع الأخير من شهر شعبان، وذلك بتنظيف البيوت وتبييض الواجهات وتزيين المحلات، فتتزين المدينة بأبهى حللها، حيث تبرز مظاهر الاحتفال خلال هذه الأيام التي يطلقون عليها، كما هو الشأن في مناطق عدة بالمغرب، “العواشر”.

المائدة المكناسية

وبخصوص إعداد الموائد الرمضانية، فإن أسر المدينة العتيقة دأبت على إعداد أكلات رمضان بطريقة تقليدية، حيث تسهر ربات البيوت، حسب الحاجة فاطمة المكناسية، على إعداد شتى أنواع الحلويات خاصة “الشباكية” والحلوى الفيلالية التي تشتهر بها المنطقة، إضافة إلى إعداد متطلبات أخرى لمائدة الإفطار المكناسية ك”الزميطة” و”سلو”، الذي يتم تحضيره بالمكسرات ك”اللوز والكركاع والزنجلان” مع “النافع” و”حبة حلاوة” و”المجبار” و”المسكة الحرة” و”الكوزة” وتخلط المكونات مع الدقيق المحمص بالفرن الشعبي، الذي مازال موجودا بالمدينة العتيقة، حيث ينشط أكثر في هذه المناسبة. وتضيف الحاجة فاطمة، وهي امرأة مسنة آثرت العيش بالمدينة العتيقة، أنه من أجل إضفاء التميز على المائدة المكناسية التي لا تستقيم بدون “الحريرة”، تعد ربات البيوت “البغرير” و”الملاوي” و”المسمن بالخليع” إضافة إلى التمور التي تغزو الأسواق بفضل انتماء المنطقة إلى جهة تافيلالت الزاخرة بهذه المادة الغذائية، ثم السمك طاجين أو مقلي أو “الطنجية”، إما بالكوارع أو بلحم الغنم أو البقر. أما الاستعداد الروحي فيمثل الحيز الأكبر لدى المكناسيين الذين يتهيئون قبل حلول شهر رمضان إلى ترك ما اعتادوه من مألوف وفعل ما يزكي النفس والروح حيث أن الاستعداد لرمضان يأخذ طقوسية خاصة حيث تنشط الزوايا والأضرحة والمساجد المتواجدة بالمدينة بمجرد دخول شهر شعبان وتبدأ حلقات الذكر والسماع الصوفي وتلاوة القرآن الكريم بهذه الفضاءات الدينية والروحية.

ومن اللحظات الجميلة في رمضان بالعاصمة الإسماعيلية، تلك التي تعقب فترة الإفطار وصلاتي العشاء والتراويح، حيث تدب الحياة من جديد في المدينة التي تنشط ويغدو ليلها كنهارها في حركة وحياة مطبوعة بأجواء من المشاعر الدينية العميقة، وتقام بعد كل يوم صيام أمسيات روحانية وتنشيطية.

فقدر الشوارع الرئيسية سواء بالمدينة العتيقة أو بحمرية أن تنعم بلحظات سكون قليلة بعد الإفطار لتستعيد صخبها ووهجها وتبتدئ أجواء الاحتفال. فبينما تعج المقاهي المتراصة، جنبا إلى جنب، بالمئات من الرواد الذين ينتمون لمختلف الشرائح العمرية، والذين يتسابقون للحصول على مقعد لتزجية الوقت في انتظار موعد “السحور” يفضل بعضهم التوجه رفقة عائلاتهم إلى الفضاءات التجارية من أجل التسوق فيما يقصد آخرون الفضاءات العمومية للترويح عن النفس.

ليلتا النصف و القدر بمكناس

وتتميز ليلتا النصف وليلة القدر بمكناس بكونهما حدثا دينيا عظيما، فلم تكن ليلة منتصف شهر رمضان تختلف عن ليلة القدر، فبالنسبة لبعض العائلات بالمدينة القديمة يتوجه المصلون إلى المسجد لصلاة العشاء ولا يبرحونه إلا بعد أداء صلاة الصبح، حيث يذكرون الله قياما وقعودا ويتلون القرآن ويتدارسونه.

إن ليلة منتصف رمضان أو ما يصطلح عليها لدى المكناسيين ب”ليلة النفقة”، تشكل مناسبة تقوم فيها المرأة بالإنفاق بدل الرجل الذي يتنازل عن هذه المهمة بشكل مؤقت، فتتكفل بتفاصيل الاحتفال بما يليق بالمناسبة، حيث تذهب إلى السوق لاقتناء الدجاج البلدي والخضر والفواكه وشراء مستلزمات مائدة الإفطار والعشاء، الذي يكون متميزا عن باقي أيام رمضان. أما ليلة القدر فيصوم خلالها الأطفال لأول مرة بعد بلوغهم سبع سنوات، فتلبس البنات القفطان أو “التكشيطة” و”الشربيل” وتزين أيديهن بالحناء، فيما يلبس الأولاد الجلباب أو “الجبادور” و”البلغة” والطربوش الأحمر، ويحظون باحتفاء خاص من قبل الأسرة وسط طقس مميز يكمن في تناولهم وجبة الإفطار التي تشمل البيض والتمر والحليب.

ويتم إحياء هذه الليلة المباركة بطقس تتميز به المدينة، حيث تتوجه الأسر في الصباح لزيارة القبور للترحم على أرواح أقاربهم ممن رحلوا، وبعد أداء صلاة العشاء والتراويح، تتوجه لزيارة بعض الأضرحة ، فيما تحضر ربات البيوت كميات كبيرة من الكسكس توزع على المساجد والزوايا، التي يعتكف فيها المصلون إلى حدود طلوع الفجر. ولأن رمضان مناسبة دينية بامتياز، فإن أهل مكناس لا يستقيم لهم شهر الصيام دون اقتناء ملابس تقليدية تليق بالمناسبة، كالجلباب والطربوش والمحصور والغندورة والبلغة بالنسبة للرجال، فيما تخيط النساء القفطان والجلباب خصيصا لهذا الشهر الفضيل.

Short Link

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.