وحدة المغرب: الريف جزء أصيل ومساهم في بناء المستقبل المشترك

دينبريس
2024-12-06T11:17:23+01:00
آراء ومواقف
دينبريس6 ديسمبر 2024آخر تحديث : الجمعة 6 ديسمبر 2024 - 11:17 صباحًا
وحدة المغرب: الريف جزء أصيل ومساهم في بناء المستقبل المشترك

محمد عسيلة*

لطالما كان الريف دائما جزءًا لا يتجزأ من المغرب، وأهل الريف كما يشهد التاريخ رموزًا للوفاء والانتماء العميق للوطن وللعرش. ارتبطت هويتهم الوطنية بقيم ثابتة وجذور راسخة، متمسكون بها رغم كل التحديات التي واجهوها، سواء في الداخل أو الخارج.

هذه العلاقة المتجذرة بين الريف والمغرب ليست مجرد شعور عاطفي، بل هي تاريخ طويل من التضحيات والإنجازات التي تبرز في كل موقف وكل ذكرى. وكنت شخصيًا شاهدًا على تلك الروح الوطنية، كفاعل مدني ورئيس لجمعية العائلة المغربية للثقافة والشباب في ألمانيا، حيث عايشت عن كثب ولاء أهل الريف لمغربهم ولملكهم.

في تسعينيات القرن الماضي وما بعدها، كانت الاحتفالات بالأعياد الوطنية التي تنظمها الجمعيات المغربية في ألمانيا لحظات تجسد حب المغتربين لوطنهم، رغم البعد عن الأرض. هذه الفعاليات كانت تعبيرًا صادقًا عن انتمائهم ووفائهم، وتستمر لتكون رمزًا حيًا للجيل الأول من المهاجرين الذين جلبوا معهم حبًا لا يتزعزع لوطنهم، حتى وهم يواجهون تحديات الحياة في المهجر.

كان هذا الجيل يتمسك بهويته الوطنية والدينية، ورفضوا بكل شجاعة إتمام إجراءات التجنيس الألماني، ليس عن عناد، ولكن تعبيرًا عن تمسكهم بجوازاتهم المغربية، التي كانت بالنسبة لهم أكثر من مجرد وثيقة سفر؛ كانت قطعة من روحهم ووجودهم. وكانوا يحرصون على استرجاعها بعد تسليمها كما لو كانوا يسترجعون شيئًا ثمينًا لا يمكن الاستغناء عنه.

أما في مجال الثقافة والدين، فقد كان هؤلاء الأبطال هم من وضعوا الأساس لبناء المساجد المغربية في ألمانيا، التي لم تكن مجرد أماكن للعبادة بل كانت أيضًا معاقل لحفظ الهوية الثقافية والدينية المغربية. في هذه المساجد، اجتمع أبناء الجالية من كل مناطق المغرب وأساسا من الريف المغربي الشامخ على قيم مشتركة، معززين رابطهم بالوطن الأم، بلغة الدين والثقافة التي نشأوا عليها، ليحافظوا على هويتهم رغم البعد.

اليوم، نقف على إرث هؤلاء الذين زرعوا فينا حب الوطن والتفاني في خدمته. نحن نواصل السير على نهجهم، نعلم أبناءنا القيم نفسها التي تلخصت في شعار “الله، الوطن، الملك”. هذا الشعار، الذي يعبر عن وحدة المغاربة في كل مكان، هو الأساس الذي تربينا عليه ونسعى لترسيخه في الأجيال القادمة.

لقد أثبت أبناؤنا نحن المغاربة من كل انحاء هذا الوطن الجميل في المهجر نجاحات عظيمة، وتحقيق إنجازات متفوقة في جميع المجالات، مما يجعلهم سفراء حقيقيين للمغرب في كل مكان. لقد حملوا معهم فخر وطنهم وأثبتوا للعالم أن المهاجرين المغاربة، لا سيما أبناء الريف، هم جزء أساسي من قوة المغرب وتقدمه.

لكن في الوقت نفسه، لا بد من الإشارة إلى أن بعض الأصوات النشاز التي تدعو للانفصال لا تمثل سوى فئة قليلة، عاشت صدمة ثقافية وفقدت توازنها الروحي. هؤلاء الدعاة للفرقة ليس لديهم ما يقدموه سوى العزلة الفكرية والتاريخية. إنهم يحتاجون إلى معالجة نفسية وفكرية، إذ أن العودة إلى جادة الصواب ليست مستحيلة. للمغرب أبواب مفتوحة دائمًا لاستقبال أبنائه، والاستماع إليهم، والتعامل مع مشاكلهم وهمومهم بكل صدق وواقعية.

المغرب ليس غريبًا عن أبنائه، مهما ابتعدوا، سيظل وطنهم يحتضنهم، ولن يكون مكانًا لهم سوى فيه. أما محاولات نشر العداء والخيانة، فإنها لن تكون إلا سمًا في جسد أصحابه، لأنها ستقودهم إلى فراغ ثقافي وأخلاقي يؤدي إلى تدميرهم داخليًا. الريف هو جزء من المغرب، والمغرب هو الريف وسوس والأطلس والصحراء والشرق والغرب والشمال والجنوب بكل مدنه ومداشره وقراه، تعددية تقوي الوحدة وتعززها،، وهذه الحقيقة ستظل قائمة إلى الأبد، مهما حاولت الأصوات النشاز تشويهها.
ـــــــــــــــــ
* استاذ باحث في قضايا الدين والثقافة والهجرة
استاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا
مستشار في قضايا الاندماج والتربية والتعليم لدى هيئات تعليمية ومدرسية ولائية بألمانيا

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.