محمد عسيلة*
لا يُعد مغاربة العالم مجرد مهاجرين في مجتمعات جديدة، بل هم جزء لا يتجزأ من نسيج هذه المجتمعات. ورغم ذلك، ما زالوا يواجهون تحديات تمييزية في العديد من القطاعات الحيوية، وخاصة في مجال الرعاية الصحية. يتعرض المغاربة، كما هو الحال بالنسبة للسود والمسلمين والآسيويين، لتمييز واسع النطاق في النظام الصحي، حيث غالبًا ما يتم تجاهل شكاواهم أو اعتبارهم يبالغون في وصف معاناتهم.
أفادت الدراسات الحديثة، بما في ذلك تقرير “العنصرية وأعراضها” الصادر عن “المركز الوطني لمراقبة التمييز والعنصرية” (NaDiRa)، بأن أكثر من ثلث الأشخاص المسلمين يشعرون بأنهم تعرضوا للتمييز في الرعاية الصحية. وتزيد هذه النسبة بين النساء السوداوات، إذ بلغت 38%، في حين أن الرجال السود تعرضوا للتمييز بنسبة تقارب ربعهم. الأفراد الذين يعرفون أنفسهم كآسيويين يعانون أيضًا من نسب عالية من التمييز مقارنة بالأشخاص البيض.
تتجلى هذه التحديات بشكل خاص بالنسبة للمغاربة في المهجر، حيث يجدون أنفسهم في وضع مشابه، وإن كانوا ليسوا بمهاجرين جدد. فهم يحملون أعباء الحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية، وفي نفس الوقت يواجهون تحديات التكيف مع بيئات تُظهر في بعض الأحيان تمييزًا واضحًا. يظهر هذا التمييز بشكل مباشر في الرعاية الصحية، حيث يشعر العديد من المرضى من الفئات المهمشة بأن شكاواهم لا تُؤخذ بجدية، مما يدفعهم لتغيير الأطباء أو البحث عن خدمات طبية بديلة.
وفي السياق نفسه، أفاد ما يقرب من 40% من النساء المسلمات، بمن فيهن المغربيات، أنهن شعرن بأن الأطباء لم يأخذوا شكاواهن على محمل الجد. كما أن ثلث النساء السوداوات، وأكثر من نصف النساء الآسيويات، أبلغن عن نفس المعاملة التمييزية في النظام الصحي.
لا يقتصر التمييز على الرعاية الصحية فقط، بل يمتد ليشمل المؤسسات الحكومية والمجالات العامة. نصف السود تقريبًا، بما في ذلك المغاربة ذوي البشرة الداكنة، أبلغوا عن تعرضهم للتمييز في الأماكن العامة، في حين يعاني الرجال السود من التمييز العنصري من قبل الشرطة بنسبة 41%. المسلمون أيضًا، وخاصة من المغاربة، يشعرون بأنهم يتعرضون للتمييز في الدوائر الحكومية والهيئات، حيث أفاد في هذا التقرير أكثر من نصف الرجال و46% من النساء بذلك.
تؤثر العنصرية بشكل مباشر على قدرة المهاجرين، بما في ذلك مغاربة العالم، على الاندماج السلس في مجتمعاتهم الجديدة، إذ يعيش الفرد في دوامة من المعاناة النفسية والاجتماعية الناتجة عن التمييز والإقصاء. يؤدي ذلك إلى تراجع في التحصيل الأكاديمي والمهني، حيث يُعاني الشخص من شعور دائم بعدم التقدير أو العدالة، مما يضعف من قدراته الإنتاجية ويحد من تطوره الشخصي. هذا التمييز ينعكس أيضًا على العلاقات الممتدة مع الوطن الأم، حيث تتعرض الأواصر العائلية والثقافية لخطر التدهور في ظل الانعزال والشعور بالرفض.
العنصرية والتمييز في الرعاية الصحية لا تمثل تحديًا شخصيًا فقط، بل هي مشكلة اجتماعية يجب مواجهتها بشكل جماعي. المجتمعات الديمقراطية، بما في ذلك الأوروبية، ينبغي أن تضمن حقوق جميع مواطنيها بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية أو العرقية. بدون هذه المساواة، لن يتمكن المغاربة وغيرهم من الفئات المهمشة من تحقيق اندماج حقيقي في مجتمعاتهم، وسيتعرضون لمزيد من المعاناة النفسية والجسدية.
في غياب الدعم المجتمعي والرعاية المؤسسية، يفقد الفرد المهاجر القدرة على تعزيز الهوية الوطنية وتقوية الروابط مع وطنه، مما يؤدي إلى حالة من الاغتراب الداخلي المستمر وعدم الشعور بالانتماء الحقيقي لأي من المجتمعين.
ـــــــــــــــــ
* استاذ باحث في قضايا الدين والثقافة والهجرة
استاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا
مستشار في قضايا الاندماج والتربية والتعليم لدى هيئات تعليمية ومدرسية ولائية بألمانيا
Source : https://dinpresse.net/?p=21112