بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على نبيه الأمين، وبعد: أصل هذا المقال مشاركة بتنسيق من “نادي التنمية البشرية” بالثانوية التأهيلية الإمام الغزالي بتطوان في لإطار حفل ديني بمناسبة شهر رمضان المباركـ أقامته المؤسسة يوم السبت 13 رمشان 1445هـ، وتضمن مجموعة من الفقرات المتنوعة (إنشاد ديني- مسابقة في التجويد – كلمات توجيهية..).
– تقديم:
حسب ما تم اقتراحه علي في هذه المشاركة من الحديث عن الصيام أمام فئة معينة من الشباب (من تلاميذ وتلميذات هذه المؤسسة التعليمية العريقة)..- والمناسبة شرط كما يقال- فإنني أستغل هذه المناسبة للحديث عن علاقة شبابنا بهذه العبادة العظيمة الأجر والنفع، فأقول:
الصيام عبادة من أجلِّ العبادات، وقربة من أعظم القربات، يزكّي النفس ويهذّب الخُلُق، وهو مدرسة التقوى، من دخله بنية صادقة خرج منه بشهادة الاستقامة، وكان من الناجين في الدنيا والآخرة. ولذلك اعتبره الرسول عليه السلام من أجل الأعمال التعبدية، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! مُرْني بأمر آخذه عنك، ينفعني الله به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليك بالصوم، فإنه لا عِدلَ له؛ أي: لا مِثلَ له)، رواه أحمد والنسائي والبيهقي بإسناد صحيح. وقد وردت في فضل الصيام أحاديث كثيرة تبين آثاره وعظيم أجره، وما أعده الله لأهله، وتحثّ المسلم على الاستكثار منه، وتهوِّن عليه ما قد يجده من عناء ومشقة في أدائه.
وقد أحببت في هذه الكلمة التوجيهية لأبنائي وبناتي التلميذات والتلاميذ أن:
– أبحث أولا عن بعض الفوائد النفسية للصيام بالنسبة للشباب،
– وأذكر ثانيا بعض المحفزات التي ترغب في أداء هذه العبادة.
1- الفوائد النفسية للصيام بالنسبة للشباب:
1- من الفوائد النفسية للصوم؛ أن الصيام– كما نعرفه- امتناع عن إشباع بعض رغبات النفس، وبعض حاجات البدن، وذلك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.. وفي هذا الامتناع تدريب للنفس على ما سماه علماء النفس بـ”تأجيل الإشباع”.. فأنت عندما تؤجل إشباع حاجيات بدنك ورغبات نفسك إلى حين؛ فأنت تدربها على أن تعمل ثم تنتظر المكافأة بعد ذلك، وبذلك تنمي في نفسك مهارة حياتية، فتتدرب بالصوم على تأجيل إشباع رغباتها المتكررة.
2- ومن هذه الفوائد كذلك: أن الفرد منا وهو يمتنع عن الطعام والشراب وغيرهما من المفطرات من تلقاء نفسه، ويلتزم بذلك من الفجر وحتى الغروب، فإنه لا يحتاج إلى رقيب عليه.. وهذا الالتزام بالامتناع عن الطعام والشراب دون مقابل إلا ابتغاء الأجر من الله تعالى، يجعل البقاء دون طعام وشراب هذه الساعات الطويلة أهون بكثير مما لو كان البقاء دون أكل وشرب ناتجًا عن مانع من خارج النفس، كأن يمنعك شخص من الوصول إلى الطعام والشراب.. وهكذا يتعود الفرد على المراقبة الذاتية والأمانة في علاقته بربه وبمن حوله وبالمجتمع بصفة عامة.
3- ومنها كذلك: أن تدريب الفرد على الصيام شهرا كاملا بالنسبة للنشء بمحض إرادتهم، واقتناعهم بالامتناع من الاستمتاع بما أحله الله في شهر رمضان.. كفيل بتجنبهم المحرمات طوال حياتهم.. لأن الفرد إذا امتنع عن المباح في شهر واحد وهو شهر رمضان، فأولى به أن يستطيع الامتناع عن المحرمات في باقي أشهر العام (التدخين والمخدرات وغيرها من الآفات التي يسقط فيها الشباب في هذه المرحلة العمرية).
4- ومنها أيضا: أنه إذا كان المغزى من الصوم أن يقربنا إلى التقوى، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)/ البقرة-183، فإن كظم الغيظ والعفو عن الناس من أساسيات هذه التقوى التي يهدف إليها الصوم.. ولهذا كان التوجيه النبوي واضحا في هذا المعنى حين قال عليه السلام فيما رواه أبو هريرة: (الصيامُ جُنَّةٌ، فإذا كان أحدُكم صائمًا فلا يَرفُثْ ولا يَجهلْ، فإنِ امْرُؤٌ شاتَمَه أو قاتَلَهُ فَليَقُلْ إنِّي صائمٌ، إني صائم) أخرجه البخاري (1894)، ومسلم (1151).. وذلك كي نصبر ونتمالك أنفسنا؛ فلا نردّ على المسبة بمثلها، ولا ندخل في شجار أو مشادة، فالصائم في عبادة، والعابد وقت العبادة يترفع عن أن يردّ على من يشتمه أو يشاده…
فهذه إذن.. بعض الفوائد النفسية التي نجتنيها من حديقة الصوم، نرجو أن يتلقفها شبابنا بإمعان..
ولننتقل إلى الشطر الثاني من المداخلة؛ وهو المعبر عنه بـ:
2- المحفزات التي ترغب في أداء هذه العبادة:
فأقول: عرف عن الإمام أبي حامد الغزالي (ت.505هـ)، أنه عالمٌ نحرير قلّ نظيره في تاريخ الإسلام، وكان ينعت بـ”حجة الإسلام”، لما امتاز به من رجاحة عقل وقوة حجة وتسديد نظر،.. وعرف من كتبه “إحياء علوم الدين”، الذي ضمنه فصلا سماه “كتاب أسرار الصوم”، بيَّن فيه بعض فضائل الصوم ولمح فيه إلى بعض الإشارات الهادية فيه، أختار منها الإشارات التالية:
1- أن الصوم ربع الإيمان، وذلك بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: (الصوم نصف الصبر)، وقوله كذلك: (الصبر نصف الإيمان).. فإذا كان الصبر نصف الإيمان وكان الصوم نصف الصبر، فالنتيجة: أن الصوم ربع الإيمان.. ومن ثم تظهر لنا قيمة وفضل الصوم ضمن باقي العبادات التي فرضها الله على المسلمين، والتي جعلها من أركان الإسلام الخمس إلى جانب الصلاة والزكاة والحج، فهو جزء وجزء كبير منها.
2- ثم إن الصوم متميز بخاصية النسبة إلى الله تعالى من بين سائر الأركان، فقد ذكر الله تعالى فيما حكاه عنه نبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قال الله عز وجل: كلُّ عَمَل ابن آدَم له، إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجْزِي به) رواه البخاري. فجميع الأعمال الصالحة من أقوال وأفعال، ظاهرة أو باطنة، عليها جزاء معلوم: الحسنة بعشر أمثالها.. إلا الصوم؛ فهو يتضمن الصبر على المباحات كما قال النبي عليه السلام: (يَتْرُك طَعَامه، وشَرَابه، وشَهوته من أجلي)، لذلك فإن الصائم يُعطى أَجَره بغير حساب يعني أنه يُضاعف أضعافا كثيرة، لا يقدرها إلا الله سبحانه وتعالى كما قال: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)/الزمر: 10.. والله يضاعف لمن يشاء.
3- والصوم كذلك من العبادات التي تنجي العبد من النار، ومن المعلوم أن استحباب الصوم يتأكد في الأيام الفاضلة، وفواضل الأيام بعضها يوجد مرة في كل سنة كرمضان، وبعضها يوجد مرة في كل شهر كالأيام البيض، وبعضها مرة في كل أسبوع كالإثنين والخميس.. وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الصوم؛ منها ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ الله بَعَّدَ الله وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)، متفق عليه، وفي رواية: (باعَد).. فإذا كان فضل صيام يوم واحد يعدل الابتعاد عن النار سبعين خريفا، فانظر كم ستكون النتيجة إذا صام الفرد منا ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما..
4- ثم إن هذا الشهر الكريم قد جعله الله أفضل شهور العام، واختصه بنزول القرآن العظيم (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، وفضل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر (ليلة القدر خير من ألف شهر)، فقد جاء في الحديث أن من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (حديث متفق عليه)، فالصيام فيها وقيامها وعمل الطاعات فيها من الصلاة وتلاوة القرآن والذكر والدعاء.. كل ذلك مضاعف بحسب هذه الأفضلية (ألف شهر)..
أخيرا، أقول: إذا كانت هذه فضائل عبادة الصيام، فإنها كذلك يجب أن تتنزه عن كل ما يشوبها من الذنوب والمعاصي، فقد روى جابر عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خمس يفطرن الصائم: الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة)، وذلك حتى يتجنب الشباب الوقوع فيما يبطل هذا الأجر، ويكونوا في سابع السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله، كما قال نبينا عليه السلام في الحديث، وذكر منهم: (شاب نشأ في طاعة الله عز وجل)..
فماذا يمنع أن تكون أنت واحداً من هؤلاء؟ وأن تكوني واحدة من أولئك؟ فأعد حساباتك، وصحح طريقك، واجعل من الشهر الكريم فرصة لك للوصول إلى هذه المنزلة.. لتنال شهادة الاستقامة التي ذكرت في بداية هذه المداخلة.. فمن دخل هذا الشهر بنية صادقة خرج منه بشهادة الاستقامة.. وأكرم بها شهادة…
أقول ما تسمعون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20964