تقديم: د. يوسف الحزيمري
صدر عن مطبعة سيليكي أخوين بطنجة طبعة يوليوز 2023م من الحجم المتوسط كتاب (والدي كما عرفته -سيرة الإمام سيدي علي الهبطي الغماري-) من تأليف ولده الفاضل “أحمد بن علي الهبطي” في (131) صفحة.
والكتاب في ترجمة الفقيه الإمام والخطيب سيدي علي الهبطي الغماري، وبيان سيرته الذاتية منذ نشأته وطلبه للعلم، ثم توليه التدريس والإمامة والخطابة إلى حين احتضاره رحمه الله، بأسلوب بسيط متناول للجميع، حاول فيه مؤلفه أن يترجم لعلم من أعلام أهل الله وخاصته الحاملين لكتاب الله المتهممين به حفظا وتلقينا، وتدريسا وتعليما، وكان الهدف من تأليف هذا الكتاب أو السيرة الذاتية لوالد المؤلف كما صرح بذلك في تقديمه هو أنه:”رغب إلينا أحد القراء النبلاء من بلاد المشرق أن نوافيه بالسيرة الذاتية لوالدنا وشيخنا الفقيه القرآني، سيدي علي الهبطي رحمه الله- في إطار عنايته بالقرآن وأهله بالبلاد المغربية – جزاه الله خيرا ورفع قدره- وصادف ذلك مرض الوالد رحمه الله؛ فترددنا في هذا الأمر كثيراً؛ لما نعلم من كراهيته لذلك!
وبعد خروجه من دُنْيَا التكليف وزوال علَّة الكراهة فيما نحسب- تضاعفت رغبة المحبين في التعرف عليه، والوقوف على سيرته ومسيرته؛ ابتغاء التأسي والانتفاع؛ فقلنا: هذا شيء حسن، ينفع الأحياء ولا يضر الأموات، …ومن أحق يا سادة بالعناية من خُدَّام الإيمان، وحُمَّال القرآن؟ أو ليسوا هم شموس الأمة وأقمارها، وصفوتها وخيارها؟ بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحاسمة الحاكمة، فيما رواه البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه(إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)[1].
وأيضا فإن من دوافع هذا الكتاب أن “يذكر الأولاد والأحفاد رعاهم الله أن اتباع الآباء والأجداد الصالحين ليس تقليدا جاهليا، ولا عرفا قبلياـ ولا عملا بدعيا، ولا آبائية مذمومة، ولا أي شيء مما يتصوره البعض؛ بل هو إن شاء الله -وصحت النية- منقبة وفضيلة، ووفاء ونماء، وسير على نهج الأنبياء”[2].
والكتاب كتب بنفس دعوي، يشتمل على الدعوة إلى الاقتداء والاتباع وتمثل القيم الأخلاقية الإسلامية في النفس، ومع الآخرين، وفي الأدب مع الله ورسوله، ومع أهل الله وخاصته.
كما أن حواشيه واستطراداته مليئة بالفوائد المختلفة في موضوعات شتى، وعنها يقول المؤلف في تكميله: “ولا مؤاخذة يا سادة، على هذه الحواشي والاستطرادات، فلعلها أنفع لي ولكم وللوالد من مجرد سرد الوقائع والذكريات ومعلوم أن المقصد الشرعي من تراجم الرجال هو رصد أقوالهم وأحوالهم، واقتفاء آثارهم، ونشر علومهم وفهومهم، وإتمام مسيرتهم .. وليس ترجمة الميلاد والوفاة؛ فإن الناس جميعا يولدون ثم يموتون، لا فرق بين عالمهم وجاهلهم، وصالحهم ،وطالحهم، وموحدهم وملحدهم!
فالمرجو ولا مؤاخذة تتبع هذه الحواشي وتأملها، والصبر عليها على طولها وعلتها – رغم أن الوالد رحمه الله نفسه كان يتحاشى الحواشي، ويردد مازحا: من تتبع الحواشي بقي بلا شي!»، ومن حفظ المتون حاز الفنون»![3]
ويمتاز الكتاب بتخريج الأحاديث الواردة فيه وفق المنهج العلمي المتبع في التخريج.
ويشتمل الكتاب بعد التقديم والتذييل والتكميل على واحد وستين عنوانا وهي كالتالي: نسبه ونسبته ولقبه (رحمه الله)، مولده ونشأته وأسرته، تربيته لأولاده وأحفاده، اجتهاده في الدعاء لذريته، عدله بين أبنائه وأحفاده، مهنته في أهله، أحوال بيته، بره بوالديه، طلبه للعلم ورحلاته رحمه الله، مع شیخه تاحلحولت رحمه الله، شيوخُه ومُعلموه، بداية العطاء، مفتاح السر، همته ونشاطه وذوقه، تحفظه في الأخذ والتلقي، فراسته في معرفة المراتب والمقامات، أسلوبه الفطري في التعليم، كان لا يأخذ القرآن من مُصحفي، ولا العلم من صحفي، انفتاحه على علماء بلده، حرصه على التوريث، تفقده لأحوال الفقهاء والقرّاء، من وصاياه الخالدة، تعهده لطلبة القرآن، تحننه إلى أصوله، وتشوّقه إلى إخوانه، تواضعه وهضمه لنفسه، تحذيره من الكبر والغرور،عنايته رحمه الله بالتربية الاجتماعية، أمثلة متابعاته التربوية، طلب العلم والرزق، الشبهة والحرام، عفته وقناعته، حيويته ونشاطه، زهده في المظاهر، تحرزه (تحفظه) في الكلام، أصالته ومرونته، عفوه وحلمه، كرمه وسخاؤه، وصيته بالجار، حزمه وعزمه في التربية، بعده عن الترف والسرف، حبه للعدل والإنصاف، صبره واحتسابه،کیاسته و فراسته، وسطيته واعتداله، رفقه بالعوام وحكمته في معاملتهم، أعماله ووظائفه، وظيفته ومنصبه، غربته ووحشته، تلامذته ومدارسوه، رحمـته بأهل البلاء، انفتاحه على عالمه وعصره، سعيه للإصلاح ونبذ الخلافات، عنايته بالعزاب والعوانس، حرصه على استقرار الأسر، عبادته واجتهاده، عقيدته، مذهبه ومشربه، حياته مع القرآن، وفاته، احتضاره رحمه الله، إشارات وبشارات.
وفي الختام ذيل المصادر والمراجع، وهي إحدى وأربعين مصدرا ومرجعا من مختلف الموضوعات العلمية.
وليس بدعا أن يؤلف الولد في سيرة والده، فهو أحق به من غيره، وألصق به من حيث المصاحبة والمجالسة والاطلاع على ما لم يطلع عليه غيره وإن كانوا أخص تلاميذه، إذ أننا في حاجة إلى من ينقل لنا سيرة العلماء والفقهاء مع أهلهم وأولادهم وحياتهم الخاصة ليكونوا لنا قدوة وإسوة، والمغاربة عرفوا بمبرة آبائهم في حياتهم وبعد مماتهم، وكتبوا عن سيرتهم ومناقبهم حيث نقف على جملة من المؤلفات في هذا المجال منها:[4] إظهار المحامد في التعريف بمولانا الوالد لأبي عبد الله محمد بن محمد المراشي المسفيوي (أعلام 5: 83) خ دار الكتب، واقتطاف الأزهار من حدائق الأفكار في سيرة والده لعبد السلام السجلماسي (أعلام 8:4)، وتجديد المراسم التالدة في سيرة والده لأحمد بن صالح الدرعي (الأعلام 1 : 138)، وتحفة الفضلاء الأعلام في التعريف بالشيخ محمد بن عبد السلام لولده عبد الكريم البناني (شجرة النور:53)، المداوي في أخبار علي الدرقاوي لولده محمد بن علي السوسي الألفي (ط) (معجم المطبوعات المغربية: 173)، والدر الخالد في معرفة الوالد لمحمد محمود بن عبد الله إبراهيم (مجلة تراث 62 (69)، والدرة اللامعة في السيرة الحسنة الجامعة (في ترجمة والده للعباس بن أحمد الدرعي (الأعلام 38:1)، وصيد المآثر الشاردة في ترجمة السيدة الوالدة لمحمد الباقر الكتاني (جرار: 17)، وطارف المجد وتالده فيما مدح به الوالد والده ليحيى بن عبد القادر بن أبي بكر (خ) بنكبور، والطارف والتالد في مناقب الوالدة والوالد لمحمد بن المختار الكنتي (بلاد شنقيط : 618)، والمجد الزاهر التالد في ترجمة الوالد لأحمد الحداد (معجم المؤلفين المعاصرين 55)، والموارد في سيرة الوالد لابنه ماء العينين (بلاد شنقیط: 569)، وفتح التالد في مناقب الجد وأخيه والوالد لمحمد بن علي بن ريسون (عبد العزيز 1: 109)، والنداء السامي في ترجمة والدنا التهامي لمحمد جنون التهامي (ط) (معجم المطبوعات المنهية:66)، وعقد الزمرد والزبرجد في سيرة الابن والوالد والجد في تاريخ البيت الكتاني لمحمد الزمزمي بن محمد بن جعفر الكتاني، والتصور والتصديق بأخبار الشيخ سيدي محمد بن الصديق لأبي القيض أحمد بن محمد بن الصديق (ط)، وحدثني والدي لعز العرب محمد حسن الوزاني، والحاج أحمد معنينو المجاهد لمحمد الصديق معنينو، وغيرها من المؤلفات في ترجمة الوالد أو الجد، وهي سنة حسنة في التأليف تربط الخلف بالسلف، وتحافظ على الهوية الإسلامية من التشتت والتصدع والتغريب.
ـــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
والدي كما عرفته-سيرة الإمام سيدي علي الهبطي الغماري-، تأليف: أحمد بن علي الهبطي، مطبعة سليكي أخوين -طنجة، طبعة يوليوز 2023م، من مقدمة المؤلف، ص:7.
نفس المرجع السابق، ص: 9.
نفس المرجع السابق، ص: 15.
معجم العلماء المشاهير الذين أفردوا بتراجم خاصة، تأليف عبد الله محمد الحبشي،الطبعة الأولى، أبوظبي 2009م،ص:1041.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20556