حسن حلحول
– التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي في التقارب السعودي الايراني
السعودية ونظرية التناقض
كثر الكلام حول إعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية على أنها تحالف للقضاء على اسرائيل ، الحق هو كلام انفعالي أكثر مما هو فعلي ، وهو كلام غير مبني على معطيات واقعية كما يعتقد بعض المتتبعين الذين لم يستوعبوا التقارب الذي جاء في ظروف تاريخية يعرف العالم مخاضا يترقب ميلاد العهد العالمي الجديد ، لHن السعودية منذ صعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد تغيرت توجهاتها السياسية والفكرية والثقافية في المجتمع السعودي، يمكن القول إن ولي العهد يقود السعودية إلى دولة متغيرة تغييرا جذريا إرهاصاتها بدأت بحل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الانفتاحات الجريئة أخرى كالسماح للمرأة السعودية بسياقة السيارة…،من تجليات هذه التوجهات القطيعة الابستمولوجية بين الفكر الوهابي الموروث وبين الفكر الحداثي المبني على المعرفة الجديدة ، بذلك يؤسس إلى مجتمع متفتح على التحولات العالمية لكي يسايرها ، وحتى لا تعيش مستقبلا عزلة عن العالم، وهذه القرارات الحداثية بالنسبة للمجتمع السعودي تعد بحق ثورة ثقافية يقودها بن سلمان يتوخى منها اخراج السعودية من تطرف الفكر الوهابي الضيق وآثاره السلبية على العقل السعودي، إلى الفضاء العالمي بعيد عن كل ما هو عقائدي طائفي.
إن هذا التقارب جاء في هذا الإطار وهو اختيار استراتيجي، خصوصاً ما يعيشه العالم من التحولات الجذرية التي ترسم العالم القادم في صورة قد يتشكل من الثنائية أو الثلاثية القطبية بدل الأحادية القطبية ودخول العالم إلى العهد الجديد ينبني على التحالفات والاتفاقات، ولقد برزت معالم هذا التوجه منذ 2009 عندما تم تأسيس تحالف بريكس التي ضمت خمس دول أكثر نموا اقتصاديا وهي برازيل وروسيا والصين والهند وجنوب افريقا، سعت الصين بتوسيع بريكس وذلك بضم دول اخرى جديدة وهي السعودية ومصر والأرجنتين.
إن التناقض الرئيسي بالنسبة للسعودية هو التحرر من الهيمنة الأمريكية وخاصة مع صعود الحزب الديمقراطي إلى البيت الأبيض هي ثورة وطنية، ومعالمها تظهر عندما رفضت مقترح الأمريكي المتعلق بزيادة في كمية تصدير النفط والغاز بعد الحرب الروسية الأوكرانية لتعويض الغاز الروسي، وأما التناقض الثانوي بالنسبة للسعودية ضد الجمود الفكري والثقافي والسياسي فهي ثورة ديمقراطية ثقافية اجتماعية ،يستفاد من نظرية التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي وفق قانون الأضداد عند السعودية هو أن أية عملية ما ليست بسيطة لأن تحمل في جذورها سلسلة من التناقضات ، ومن بين هذه التناقضات ، تناقض رئيسي الذي يتواجد منذ بداية أية عملية تقريب حتى نهايتها يحدد وجودها ، اما مقتضيات أخرى فهي تناقضات ثانوية مرتبطة بالتناقض الرئيسي، ومن بين التناقضات الثانوية الأساسية في هذه المرحلة التناقض العقائدي مع ايران، تتحول الى التناقض الرئيسي في حالة اصطدامها وتهديدها هذه الأخيرة للدول العربية السنية مع إبقاء هذه التناقضات الاستراتيجية تتأرجح بين التكتيك والتحالف من أجل الدخول في التقارب الاستراتيجية ولو ومع إيران.
إن التحولات الهادئة التي تعيشها السعودية بقيادة بن سلمان على مستوى سياستها الخارجية، توحي أنها استوعبت المخاض الذي يعيشه العالم بعد حرب الروسية الأوكرانية، وأن هذه الحركة الجوهرية للتاريخ التي سميتها البديهية هي التغيير، ويكون بذلك النهاية الحتمية الأحادية القطبية وشيكة، فلبث العالم مشكل بعد الحرب العالمية الثانية طيلة أربعة عقود من ثنائية القطبية ،وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي فعليا سنة 1991 انتقل الى الأحادية القطبية المتمثل في الولايات المتحدة الأميركية ،وهاهو يتشكل في نسخته الثالثة بعد الحرب الروسية الأوكرانية ،الذي بات العالم بدون قيادة .
استطاع الأمير أن يلتقط الإشارات من هذه الحركة الجوهرية التاريخية معتبرا أن التناقض الرئيسي بالنسبة للسعودية هو أن تكون متحررة من أية تبعية للغرب وامريكا خاصة، ورأت في التقارب مع ايران حتمية تحكمه الظروف العالمية الجيوسياسية.
إن السعودية دولة محورية بالنسبة لدول الخليج وكذا دول المذهب السني، وبالتالي فإن تقارب إيران مع السعودية هو بالضرورة تقارب مع دول المجلس التعاون الخليجي ، لقد تعتبر السعودية هذا التقارب براغماتي في هذه التطورات العالمية ، من أجل تحقيق مصالحه مع إيران خدمة دول الإسلامية في أفق تكوين بروتوكولات التفاهم لاحقة ، تفسح المجال للتعاون الاقتصادي والسياسي ولما لا عسكري.
يتبع بالجزء الثالث.
نظرية التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي في التقارب الايراني
المصدر : https://dinpresse.net/?p=19935