الدكتور محمد وراضي
فكان أن تدخل الأستاذ العلامة محمد العثماني إذن في عملية تحولي النهائي من فكر صوفي متزمت، إلى فكر إسلامي عقلاني متنور ومتزن، وفي الوقت ذاته تشبعي بالفكر الفلسفي والسياسي، فقد انتقدت أبا حامد الغزالي بشدة، وامتد بحثي إلى تتبع ولادة الفكر الصوفي وتطوره.
قمت بهذه العملية في رسالتي الجامعية لنيل الدكتوراه: “التصوف الطرقي بالمغرب الحديث والمعاصر. سوس نموذجا”. وانتهيت إلى قناعة كبرى هي أن الطرقية إما أن تكون في صف مخالف لصف أي نظام قائم، وإما أن تكون مع هذا النظام وتسانده، مقابل ما يغدقه على قادته من عطاءات لا حد لها ولا حصر، إلى حد أن أموات الطرقيين البارزين كشيوخ، يحظون باحترام فائق من الحكام وكأنهم أحياء (وواحد منهم قابلته ووجهت إليه أسئلة وهو صديق والدي). دون الالتفات إلى ما يجلبه تقديسهم من تشويه للدين ومن تحريف له.
وهذا بالتحديد ما دفعني في سنة 2008 م إلى إصدار كتاب عنوانه “عرقلة الفكر الظلامي الديني للنهضة المغربية”، فكان أن نشرت جريدة “أصداء” حلقات منه، ثم توقفت عن نشر الباقي لأسباب لم يستطع مديرها حسن أربعي تبريرها لي!
ثم تابعت نفس الطريق متحاملا على الفكر الظلامي الديني في مختلف مصادره. وكنت هكذا خصما لذودا لجل الأيديولوجيات الإسلامية التي تتحرك في حدود دولتنا، وفي الوقت ذاته في حدود أكثر من دولة عربية وإسلامية. حتى إذا ما سألني أحد عن نشأة حزب العدالة والتنمية، وجد عندي إجابة حاسمة. فعلاقتي بالدكتور عبد الكريم الخطيب قوية كما سبق الذكر. فقد كنت مع بعض الإخوان نجتمع معه في منزله مرة أو مرتين في الأسبوع. حيث إنه يردد مرارا قوله: “المال مال الله، والحاكمية لله”. وكنا نحن نساهم في إطراء هذا المبدأ، نبحث مصدره في الكتاب والسنة، على اعتبار أننا مقتنعون بضرورة تطبيقه في الواقع السياسي المغربي.
وأشعر شخصيا بأن المتقدمين في السن من البارزين في الثقافة السياسية والدينية، يحنون إلى إنجاز ما لم يتمكنوا في عز قوتهم البدنية والعقلية من إنجازه! وكأنهم ندموا على ما فات منهم فعله! مع التذكير بأن الدكتور الخطيب هو الذي اقترح – إلى جانب علال الفاسي – التنصيص في الدستور على كون ملك البلاد هو في الوقت ذاته أمير للمؤمنين، يعني أن له سلطتين: سلطة دنيوية قانونية، وسلطة دينية شرعية (لا وجود لأحد من قادة العالم له هتان السلطتان)!
وبما أنه غير قادر وحده على تسيير الأمور، كان لا بد له من الوزراء الذين هم مساعدوه الأقربون، كما ورد في القرآن الكريم على لسان سيدنا موسى عليه السلام: “رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا”!
ونحن لا نرى مانعا من كون الملك هو نفسه أميرا للمؤمنين، لأن أسلافه في مختلف الأنظمة المغربية المتقدمة، ملوك وأمراء المؤمنين، حتى وإن لم يتم التنصيص في أي كتاب على هذه الصفة.
أما نحن المغاربة الآن، ومنذ عهد الحسن الثاني، فنمثل استثناء في العالم الإسلامي: رئيس الدولة، ملك، وأمير المؤمنين. يعتمد القانون الوضعي، والحكم الشرعي في إدارة شؤون شعبه. إنما هل هذا هو الواقع؟
بالنسبة للعلمانيين، الإجابة بالإثبات وبالنسبة للإسلاميين الأقحاح كلا: ليس الأمر كذلك؟ إلى حد أن بعضا من الاشتراكيين رأى ضرورة إلغاء إمارة المؤمنين! كما رأت جماعة العدل والإحسان إلغاءها ولو تدريجيا لأنها غير فعالة. والدليل نلتقي به في واقع يزخر بالإساءة إلى الدين طولا وعرضا. لكن العدليين بالتحديد في موقفهم هذا لم يصيبوا كبد الحقيقة، لأنهم يشاركون النظام في احترام الطرقية وتقديس الأولياء الأحياء والأموات، وإكرام كل العاملين على خدمة النظام بتحريف الدين وتشويهه.
وحين تم للأفغانيين التمكن من طرد الاتحاد السوفياتي من بلادهم عمت الفرحة الإسلاميين عبر العالم. فكان أن نظم احتفال بالحدث التاريخي في قلب الرباط، وفي مسرح محمد الخامس، وكان من بين الحضور حينها في المنصة: أبو بكر القادري، وإدريس الكتاني، والمكي الناصري، وبوشعيب الشرطي نائبا عن الدكتور الخطيب لإلقاء كلمته. والناصري مع حضور ثلة من جماعة العدل والإحسان، وثلة ممن سيصبحون لاحقا قادة بارزين في العدالة والتنمية، يتقدمهم كل من بنكيران ومحمد يتيم؟؟
المصدر : https://dinpresse.net/?p=18572