هل نتساءل اليوم عن قضايا عقدية نعتبرها نحن الكبار بديهية، لكنها تحير عقول أطفالنا الصغار أسئلة نتهرب من الإجابة عنها أحيانا، ونصد عن طرحها تارة أخرى، وقد نجيب في أحسن الأحوال بأجوبة سطحية، من دون وعي بما قد يترتب عليها من آثار سلبية، تعيق مسار الفهم الصحيح الذي يتناسب ومقدرة استيعابهم وإدراكهم لما يحيرهم ويقلقهم … !!!.
فهل استطاعت الأسر في مجتمعاتنا أن تحل هذه الإشكالية المعرفية الفكرية وتقوي في أبناءها قيم المعرفة الدينية، القائمة على التدبر والتفكر والتعقل والحكمة والعلم؟ هل تمكنت من تحفيز أبنائها وتقوية روح الإرادة الذاتية والنفسية والمهاراتية والعقلية وتنمية قدراتهم من خلال التنشئة الدينية والاستشهاد بآيات القرآن الكريم عن قيمة العلم والعلماء والمعرفة والحكمة في الإسلام؟ هل تمكنت من توجيهم نحو مهام الدور الاستخلافي للإنسان في عمارة الأرض انطلاقا من الفهم المقاصدي لقوله تعالى (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وتصحيح واقع المرأة الموظف دينيا لخدمة العرف،وتعزيز قيم الإرادة والحرية و الإيمان بالتعددية.؟ هل تمكنت الأسر في بلداننا من التخلص من عقلية التلقين في ظل واقع لازال مثقلا بإخفاقات المعرفة الدينية التقليدية التي تتحكم فيها الأعراف والعادات المتوارثة؟
والحل المنظور لهذه الإشكالية يتمثل في ضرورة الإسراع لتفعيل مهام تطوير المعرفة الدينية لأطفالنا في ما يرتبط باهتمامات قضايا مجتمعاتهم المعاصرة في مختلف شؤون دينهم ومعاشهم ومجالات بناء مستقبل مشروع أمتهم الحضاري.
فالطفل عادة عندما يصل إلى سن الرابعة يبدأ في توجيه مجموعة من الأسئلة ذات المضمون الديني, وهنا ينبغي استغلال حاجة الطفل لاستطلاع هذه الإجابة في تقديم إجابات شافية من خلال المفاهيم الدينية المناسبة له والمقنعة لأسئلته المحيرة ،وإذا كان خيال الطفل خصباً ،ينزع إلى التعددية في تصور المفاهيم الدينية في هذه المرحلة فمن المطلوب تقديم مجموعة من الحكايات, أو القصص التي تقابل هذه الخاصية في شخصية الطفل , وتشبع رغبته في التخيل, ولكنها في نفس الوقت تربطه بالواقع الذي يعيشه من خلال القيام بأدوار تجسد هذه الحكايات بمواقفها المتعددة.
وبالتالي فالطفل لا يدرك المعاني المجردة للمفاهيم الدينية وبخاصة في مجال العقيدة الدينية (الغيبيات) وتعتمد تفسيراته لها على المشاهدات الحسية والواقعية, ومن ثم ينبغي استخدام حواس الطفل عند تقديم المفاهيم الدينية المناسبة, والابتعاد عن المعاني المجردة واستخدام الأسلوب البسيط السهل, وغير المعقد بالنسبة لتفكيره. وبما أن النمو الديني للطفل يتميز بالواقعية والشكلية والنوعية, ينبغي تقديم الأمثلة الحسية الواقعية البعيدة عن تشبيه الله عز وجل وبخاصة المتصلة بحياة الطفل ذاته, أو علاقاته مع الآخرين, وأن يقوم المربون بتقليدها, وبمحاكاتها أمامه ليسهل عليه محاكاتها واستغلال منافعها لتعزيز النجاح في تحقيق أهداف المقاصد الدينية.فسلوك الأهل يساعد النشئ في تشكيل الصورة عن الله. ذلك أن أول كشف يتلقاه الإنسان عن محبّة الله وعنايته, و لكي يحقّق الحب الأسري غايته في تنمية شخصية الطفل, يجب أن يكون هذا الحب حبّاً تربوياً مسئولا منفتحا ،غير مقيد ولا آسر.فالأطفال يسألون أسئلة لا تخطر على بال آبائهم، وقد تبدأ بأسئلة اعتقاديه كأن يسألوا عن الله أين الله؟ أو من أين أتيت ؟ لماذا يعذبنا الله ؟ مامعنى النار؟ ما معنى الموت؟ وكما يقال:” أي طفل يسأل سؤالا فهو مستعد لقبول الإجابة”، لكن الآباء إما لجهلهم أولخوفهم يتحايلون على إجابات أطفالهم ظنا منهم أن التملص من الإجابة سيطفئ السؤال، لكن هذا الأخير يبقى مصاحبا للإنسان إلى نهاية حياته، وأتذكر قصة لرواية تصف سوء علاقة فتاة مسيحية بالله وكرهها لله والدين والكنيسة، جراء سوء تفسير الأب لمسألة موت أمها عندما أخبرها وهي في الخامسة من عمرها أن الله أخذها . فتحولت علاقتها بالله حسب التفسير الخاطئ للأب ّإلى علاقة كراهية،نمت من داخل أعماق طفلة صغيرة نحو من أخذ أمها وحرمها حضنها وخطفها إلى السماء بعيدا عنها !!.
فالطفلة في هذا العمر لم تستوعب هذا التفسير الغير ممنهج من والدها والذي سبب لها كراهية تحكي عنها بعدما كبرت وتسرد تفاصيلها ،بعدما استوعبت معنى الموت ،وأدركت أن الانسان مآله الى الموت ،وكان حري بوالدها أن يخبرها عن المكان الذي يرحل اليه جميع الناس في انتظار يوم يجتمعون فيه مرة أخرى . وهذا يدل على أن مسألة الطفولة والقضايا الاعتقادية من أعقد المسائل، لأن الطفولة هي أدق مرحلة نمائية عند الإنسان،والطفل له طرائقه في اكتساب المعرفة، كما بينها عالم النفس السويسري جان بياجيه” وليس من السهولة أن يتقلد شخص مسؤولية التربية الدينية للأطفال، وقد نجد أنه ليس لدينا في العالم العربي أطرا متخصصة في التربية الدينية للأطفال، وفي هذا السياق يتحدث الدكتور عبد الحميد أبو سليمان في كتابه أزمة الإرادة والوجدان المسلم،”عن عدم انتباهنا حين التركيز على تحفيظ قصار السور من حزب الستين كأول محفوظات أطفالنا،إلى أن هذه السور مليئة بمشاهد يوم القيامة من نار و عذاب ،مع العلم أن الطفل لم يبلغ سن التكليف لفهم مدلول العذاب والعقاب بالنار !.”
* رئيسة مركز إنماء للأبحاث والدراسات المستقبلية
{jathumbnail off}
المصدر : https://dinpresse.net/?p=1715