سعيد الكحل
تحيي نساء المغرب اليوم العالمي للمرأة في ظل حكومة تعِد “بالأحسن” وبالقطع مع تجربة الإسلاميين التي دامت عقدا من الزمن. طيلة تلك المدة، لم تتوقف الهيئات النسائية عن النضال من أجل تفعيل بنود الدستور وتحيين التشريعات الوطنية بهدف مواءمتها مع المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب. نضالات تجاهلتها حكومتا البيجيدي بخلفية إيديولوجية.
ذلك أن الإسلاميين عموما ، والبيجيديين على وجه الخصوص ، تصدوا ــ بكل شراسةــ للمطالب النسائية بتعديل مدونة الأحوال الشخصية سنة 1992 ثم سنة 2000 ، حينما ناهضوا مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية ، وكادوا يشعلونها فتنة لولا التدخل الملكي . فعقيدة الحزب وإيديولوجيته تقومان على معاداة حقوق النساء في الكرامة والمساواة والمناصفة.
بهذه الخلفية الإيديولوجية ، ندد الإسلاميون بقرار حكومة عباس الفاسي رفع التحفظات عن الاتفاقيات المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة ، وخاصة مقتضيات المادتين 9 و16 من الاتفاقية اللتين تنصان على المساواة ، وحق الأم في منح جنسيتها لأبنائها من زواج مختلط ، ورفع سن الزواج إلى 18 سنة ، واقتسام الممتلكات الزوجة الخ.
كل هذه المواقف المناهضة للمرأة لم تمنع الأحزاب المتحالفة مع البيجيدي من إسناده حقيبة “التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية”. وهي الوزارة التي استغلها ، لمدة عشر سنين، لتعطيل الدستور وإفراغ بنوده من محتواها ،والتحايل عليها بهدف الإجهاز على الحقوق والمكتسبات النسائية وفق ما تقتضيه إستراتيجية “الأسلمة” التي ينهجها منذ النشأة والتأسيس ، والتي تعادي الحداثة وتحاربها.
الآن، وبعد أفَلَتْ حكومتا البيجيدي ، وجاءت الحكومة الجديدة تعلن على لسان ناطقها الرسمي أنها تجسد “القطيعة السياسية” مع تجربة الحكومة السابقة ، فسيكون عليها الوفاء بوعودها وتعهداتها؛ على اعتبار أن الشعب المغربي لا يريد فقط تجويد الخدمات الاجتماعية (الصحة ، التعليم ، الشغل ..) ، بل أيضا يريد توسيع الحريات وضمان الكرامة والمساواة والمناصفة والإنصاف والعدالة الاجتماعية لجميع الفئات ، وفي مقدمتها النساء.
ذلك أن هذه الفئة هي الأكثر معاناة من الظلم الاجتماعي والقانوني ، ومن العنف والتمييز بكل أشكاله. إن “القطيعة السياسية” التي أعلنتها الحكومة ينبغي أن تشمل كل التشريعات التي وضعتها حكومة البيجيدي وكذا مشاريع القوانين التي إما تتنافى من الدستور أو تفرغ بنوده من محتواها حتى تُخرج إلى الوجود هيئات كسيحة لا تضمن حقوقا ولا تحارب عنفا.
لأجل هذا ، سيكون من المستعجل تحريك الدورة التشريعية لمراجعة كل القوانين ومشاريع القوانين والمؤسسات المستحدثة التي هي محط انتقاد من طرف الفاعلين السياسيين والاجتماعين والهيئات الحقوقية والنسائية وجمعيات المجتمع المدني. وحتى تكون المراجعة بنّاءة ، ينبغي فتح المشاورات مع كل هؤلاء الفاعلين ، وفق ما تقتضيه الديمقراطية التشاركية التي ينص عليها الدستور، من أجل إصلاح ما أفسده البيجيدي. ومادامت المناسبة تتعلق باليوم العالمي للمرأة ، فإني أنصح السيد رئيس الحكومة بدعوة الهيئات النسائية إلى الحوار حول القضايا التي تشغلها ، ربحا للوقت وضمانا لإحداث “قطيعة سياسية” حقيقية قبل انتهاء الولاية الحكومية الحالية. ذلك أن تركة البيجيدي وما مارسه من ابتزاز ضد الدولة، لم يعد المجتمع يتحمل مزيدا من ظواهرها السلبية والخطيرة .
ومن المخلفات التي يتوجب تفكيكها ومراجعتها مراجعة جذرية:
1 ــ قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي تعرض لانتقادات واسعة من طرف الهيئات النسائية لكونه لا يعطي تعريفا دقيقا للعنف ، لا ينص على التكفل بالنساء المعنَّفات ، لا يجرّم الاغتصاب الزوجي وكذا العنف النفسي ،بالإضافة إلى كونه لا يتضمن فصولا تؤكد على الوقاية من تعنيف النساء.
2 ــ مشروع القانون الجنائي الذي جسد فعلا إيديولوجية البيجيدي المناهضة لحقوق النساء بشرعنة قتلهن والتشجيع عليه تحت ذريعة “الشرف” ، حيث خفّض عقوبة “جرائم الشرف” من الإعدام والمؤبد إلى شهور معدودة .ومعلوم أن القانون الجنائي المغربي يعتبر القتل جريمة مهما كانت دوافعها . وخيرا فعلت الحكومة لما سحبت المشروع من البرلمان ، لكن بشرط تقديم مشروع عصري متطور ومنسجم مع تعهدات المغرب والتزاماته الدولية .
3 ــ هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز (قانون 79.14) ، وهي الهيئة التي انفرد البيجيدي بوضع نظامها الأساسي بعد أن أقصى اقتراحات باقي الهيئات التي لا تخدم تصوره ، ومنها المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي وجه مذكرة تتضمن اقتراحاته ومنها:
أ. التعريف الدقيق والواضح للتمييز (المباشر وغير المباشر) اتجاه شخص أو مجموعة أشخاص ..
ب : إضفاء الطابع الإلزامي على الإجراءات الإيجابية الواردة في المادة 6 والمادة 19 والمادة 30 من الدستور (المساواة في ولوج النساء والرجال للوظائف الانتخابية ) ومقتضيات الاتفاقيات الدولية وخاصة (المادة 4 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) .
ج: تحديد عقوبات زجرية بحكم القانون متناسبة ورادعة في حالة خرق التشريع المتعلق بالمناصفة ومكافحة أشكال التمييز.
إلا أن بسيمة الحقاوي ، وزيرة المرأة والأسرة في حكومة بنكيران، نفذت تعليمات البيجيدي وإيديولوجيته بتجريد الهيئة من كل الصلاحيات والسلطات لتجعلها هيئة استشارية كسيحة وغير مستقلة (رئيس الحكومة يعين عشرة أعضاء من بين أربعة عشر عضوا . وفوق كل هذا لم تر الهيئة النور إلى اليوم .
4 ــ مراجعة بنود من مدونة الأسرة ، التي تترجم الابتزاز الذي مارسه البيجيدي ضد الدولة، بحيث يتم منع تزويج القاصرات وإلغاء الاستثناء الذي صار هو القاعدة ، وكذا إقرار إلحاق الأبناء بالآباء البيولوجيين ، وضمان حق الأم في الولاية على أبنائها.
5 ــ رفع التجريم عن الإجهاض الإرادي حماية للمجتمع من ظواهر: رمي الأطفال في حاويات الأزبال، أطفال الشوارع،الأمهات العازبات ، الإجهاض السري ومخاطره على صحة الحامل.
6 ــ مراجعة نظام الإرث ضمانا لحقوق الإناث اللائي يتعرضن للظلم الاجتماعي بسبب حرمانهن من حقهن في تركة الأبوين التي ساهمن في مراكمتها أو تنميتها، وذلك، من جهة، بالانفتاح على الاجتهادات الفقهية المغربية (حق الكد والسعاية) الذي لا ينبغي أن يقتصر على الزوجات في حالة الطلاق أو الترمّل، بل ينبغي تعميمه على كل الفتيات، ومن جهة أخرى، انسجاما مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب ، والتي تنص على المساواة بين الجنسين.
إن الشعب المغربي يريد فعلا حكومة تحقق الانتقال الديمقراطي ولا تقل جرأة سياسية عن حكومة التناوب التوافقي . فإذا كانت الأخيرة أنقذت المغرب من “السكتة القلبية”، فإن الحكومة الحالية ملزمة بتطبيق النموذج التنموي . لهذا لا ينتظر منها المجتمع المغربي إخضاع قضاياه الأساسية للتوافقات الحزبية، بقدر ما يريد منها الشجاعة السياسية في ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحديث الإدارة، والقطع مع الفساد والرشوة ونهب المال العام.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=16820