جواد الشقوري
عندما نُريد أنْ نفهمَ التوجهاتِ الفكريةَ والسياسية المختلفةَ التي سادت وهيمنت على شؤون العالم -ماضيا وحاضرا- فإنه لا مناص من فهم الأفكار أو السرديات أو القصص الكبرى التي تؤطرها وتوجه اشتغالها.
وللباحثين والمحللين والعلماء طرق متعددة لفهم واقع هذه التوجهات ثم استشراف مآلاتها.
ومن أجل إدراك هذا الهدف المزدوج (الفهم ثم الاستشراف) يتم التوسّل بجملة من المعارف والعلوم الخادمة لهذا الهدف.
ويُعدُّ الاستمدادُ من القرآن الكريم مسلكًا مهما -خاصة بالنسبة للمؤمنين بعالمية وكونية الرسالة الإسلامية- لفهم ميكانيزمات وطريقة اشتغال التوجهات التصورية والفكرية التي تناولها الذِّكرُ الحكيم.
فالله خالق الإنسان وهو أعلم به منه: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14]. فهذا من المعتقد.
وقد رسم القرآن الكريم التوجهات الكبرى للتفكير والفكر البَشريين، والتي تُمكّننا من فهم حدود وكيفية اشتعال العقل البشري، ثم استشراف مآلاته.
فعندما يَذكر القرآن الكريم مجموعة من الشخصيات، بأسمائها أو بغيرها، ويكشف طريقة تفكيرها وطبيعة ممارساتها، فإنه لا يتطرق إليها باعتبارها شخصيات تاريخية، ولا يسردُ أفكارها باعتبارها اجتهادات فردية في لحظة زمنية معينة!
وإنما يذكرها باعتبارها نماذج خالدة بمقتضى خلود القرآن الكريم؛ كما هو الشأن في قص قصص الأنبياء عليهم السلام، أو في ذِكر الشخصيات المعارضة لهم.
وأعتقد أن الإنسان، فردا وجماعة، لا يخرج في تصوراته الكبرى عن التصورات التي رسمها له القرآن الكريم.
وقد نكون في واقعنا المعاصر أمام تصورات وممارسات قد تبدو جديدة لكن أثناء التأمل والتفكيك والتجريد، يمكن ردّها إلى التصورات الكبرى التي تناولها القرآن الكريم (كالإيمان، والشرك، والكفر… وغيرها).
ومن أجل استثمار ما سبق في تحليل وفهم واقع التوجهات الفكرية والسياسية المعاصرة ثم استشراف مآلاتها لابد من الاشتغال وفق محورين:
الأول: تجريد النصوص القرآنية التي تتحدث عن الشخصيات المختلفة من خصوصياتها، ثم بناء نماذج قادرة على التفسير والاستشراف.
الثاني: الاجتهاد في الكشف عن التطابق بين توجهات فكرية وسياسية معاصرة والنماذج المختلفة المستخرَجة من القرآن الكريم؛ وهذا في سبيل فهم العالم المعاصر ثم استشراف مصيره ومآلاته، ومن ثم التعامل معه بحكمة ورشد.
والله أعلم.
المصدر: صفحة الكاتب على فيسبوك
المصدر : https://dinpresse.net/?p=16772