زعيم الخيرالله
هناكَ صفاتٌ مُشتركةٌ بين الخالِقِ والمَخلوقِ ؛ لذلكَ وقعَ الاختلافُ بينَ المُتَكَلِّمينَ في صفات الله ، فالمعتزلةُ قالوا بالتعطيل وَأَنَّ الذاتَ تنوبُ عن الصفاتِ ، والاشاعرةُ أثبتوا لله تعالى صفاتٍ زائدةٍ عن الذاتِ . أمّا الامامِيَّةُ فقد قالوا بالعَيْنِيَّةِ أي : أَنَّ صفاتِهِ تعالى عينُ ذاتهِ حتى يتخلصوا من اشكاليَّةِ تعدد القدماء. والبعض اثبتَ الصفاتِ الخبَرِيَّةَ كاليدِ والوجهِ والرجلِ .
الصِّفاتُ المشتركةُ بينَ الخالِقِ والمَخْلوقِ
هناكَ صفاتٌ مُشتَرَكَةٌ بين الخالقِ والمخلوقِ اثبتها اللهُ تعالى لنفسهِ ولبعضِ مخلوقاتِهِ منها:
1- الحياة : الله تعالى وصَفَ نفسَهُ بالحياة ، كما في قوله تعالى:
(اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ ). البقرة: الاية: 255 . واثبت هذه الصفةَ لبعضِ مخلوقاتِهِ كما في قولِهِ تعالى: ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ). الروم: الاية:(19).
2- السمع : وصف الله تعالى نفسه بالسميع البصير ، كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ). النساء: الاية:(58). وكذلك اثبت الله هاتين الصفتين للانسان كما جاء في قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا). الانسان: الاية: (2).
3-الملك : وصف الله عزَّ اسمُهُ نفسَهُ بأَنَّهُ المَلِك كما في قوله تعالى:(يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).الجمعة: الاية: (1). وكذلك وصفَ الانسانَ بهذهِ الصفةِ ، كما في قوله تعالى:(وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ). يوسف: الاية: (54).
4- العلم : وصف الله نفسَهُ بصفةِ العلم كما في قوله تعالى: ( وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ).البقرة: الاية: 255. ووصف الانسانَ بهذهِ الصفةِ ، كما في قوله تعالى:(فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ). غافر: الاية:(83).
5- الكلام : وصف الله نفسه بهذه الصفة ، كما في قوله تعالى : ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا). النساء: الاية: (164). وكذلك وصف الله الكائن البشري بهذه الصفة ، كما في قوله تعالى:(وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ). يوسف:(54). الصفات المشتركة كثيرة بين الخالق والمخلوق ، وقد وقع نقاشٌ طويلٌ حول هذا الاشتراك ، هل هو اشتراكٌ لفظي من قبيل لفظة العين لها اكثر من معنى ، فقد تأتي بمعنى العين الجارية وتأتي بمعنى العين الباصرة ، وتأتي بمعنى الجاسوس او الرجل المشهور يقال له عينٌ في قومهِ ، فلفظ العين واحد ولكن المعاني مختلفةٌ ومتباينةٌ ، وانما تشترك كل هذه المعاني باللفظ فقط ؟ أم أَنَّ الاشتراك معنويٌّ اي يشتركون بمعنىً كُلِّيِّ كمعنى الانسان الذي ينطبق على افراده ويسمى بالكلي المتواطئ ، وقد لاينطبق المعنى على الافراد بالتساوي ؛فيكون المعنى متفاوتاً ويُسَمّى هذا الكُلّيِّ المُشَكِك، فهل هذه الصفات المشتركة ، يكون الاشتراكُ فيها من قبيل الاشتراك المعنوي ام الاشتراك اللفظي؟ لاأُريدُ ان اقف عند هذا الاختلاف حتى لااشغل ذهن القارئ بهذه الامور .
الْبَدِيعُ والْخَلّاقُ
ومِنَ المُشْتَرَكاتِ بين الخالقِ والمخلوقِ صفتا ” البديع” وَ ” الخَلّاق” ، فيوصفُ اللهُ تعالى بالبديع كما في قوله تعالى :(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ). البقرة: الاية: (117). والانسان نصفه بالابداع ، وبأَنَّهُ كائنٌ مبدعٌ ، وكذلك صفة الخلاقيّة فقد وصف الله بها نفسَهُ واثبتها لغيره كما في قوله تعالى : ( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ).المؤمنون: الاية:(14)، فاثبتَ اللهُ تعالى خالقينَ غيرهُ ولكنه احسنهم . والله تعالى حينما تحدث عن المسيح عليه السلام وقدراته في الخلق والاماتة والاحياء وابراء الاكمه والابرص ، نسب هذه الصفات اليهعلى لسانِ السيد المسيح (ع) :(وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).آل عمران: الاية: (49).
في هذهِ الايَةُ الكريمةُ نسبَ المسيحَ عليه السلام لنفسه الخلقَ وابراء الاكمهَ والابرص، واحياء الموتى…. خلقُ المسيحِ (ع) يختلفُ اختلافاً هائلاً خَلقِ الله تعالى، اللهُ تعالى يخلُقُ خَلْقاً تامّاً ، الله يخلقُ المادة والهيئة(الصورة)، والمسيحُ (ع) يخلقُ خلقاً ناقصاً وهو يخلق كهيئة الطير، يخلقُ مايشابهُ هيئة الطير، وكلُّ ذلك يتمُّ باذن الله تعالى بينما الله يخلقُ بلا اذنٍ من احد.
ومن هنا نفهم خلاقية البشر وابداع البشر، ابداع الله ان يبدع على غير مثالٍ سابقٍ والبشر يبدعُ على اساس انموذج سابق ومثال سابق ، فالبشر ابدع الطائرة ولكن على مثالٍ سابقٍ هو الطير ، والبشر ابدع الغواصّة ولكن على مثالٍ سابقٍ وهو اسماك البحر ، امّا الله تعالى فيبدع على غير مثال ٍ سابقٍ ، وخلاقيّة البشر هي خلاقيّة في الهيئة فقط امّا الله تعالى فيخلق المادة والهيئة ، والله يخلق ابتداءً وبلا اذنٍ من احد ؛ بينما غيره لايمكنه الخلق بلااذنٍ .
وفي الختام : هناك فارق كبير بين الصفات الالهية والصفات الانسانيّة ، هناك فارقٌ هائلٌ بين خلق الله وخلق الانسان ، وابداع الله وابداع الانسان وقدرة الله وقدرة الانسان ، ماعند الانسان هو صفات وملكات وقدرات ممنوحة له من الله ومحدودة ، بينما ماعند الله من صفات غير محدود ولايحتاج الى اذن احد.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=16267