بقلم: محمد علي لعموري
منذ سنوات، ومذ بت قادرا على التجوال وحدي في الطرقات، كنت أمر على مكان غريب عبارة عن ممر تحت قنطرة مرور القطار قبالة شارع بني مكيلد، وكل من دعته الضرورة للمرور من ذلك الممر تحت-الأرضي الذي يدعى ب”الدروج الحمرين”، سيلاحظ لا محالة عددا من الباعة ؛ أو لنقل أنهم يزعمون أنهم باعة؛ يتسمرون على الحائط جالسين أو واقفين وقد عرضوا فوق الأرض بعض الأشياء التي يرونها تصلح للبيع لمن ؟ الله أعلم !
هؤلاء لو حدقت في وجوههم لرأيت عليها أثر البؤس والشقاء، يبيعون أشياء تبدو للمارة غير ذات شأن، بعض المستلزمات الرخيصة، وأواني البيت منها المشقوق ومنها المفروم ومنها الناقص ومنها الذي لا يصلح لا للاستعمال ولا للديكور، ومنها بعض الكتب المستوفاة الأجل المعرفي أي أنها كتب مدرسية لم تعد مقررة، وأخرى ثقافية تنتمي لزمن الحرب الباردة وقد اعتلى لون ورقها الاصفرار الذي يذكر كل محب للكتب وللقراءة برائحة الموت.
دعنا لا نتوقف كثيرا عند تلك المعروضات الرخيصة والتافهة التي تبعث على الشفقة عند البعض حينا وعلى السخرية عند البعض الٱخر، ولنصوب تركيزنا على أصحاب تلك المعروضات، تلك الكائنات التي أتساءل بعد مرور عقود من الزمن كيف تعيش؟ ولمن تعيش؟ ولأي هدف تعيش؟ ومع من تعيش؟ وهل هي فعلا تعيش؟
انطلاقا من السؤال الأخير ذي المنزع الوجودي-الفلسفي، أشك أن تلك المخلوقات تعيش، ذكرني هذا السؤال بذلك الشخص الذي ظهر مؤخرا على اليوتيوب يجيب على سؤال صحفية بإحدى المواقع الإخبارية ذات الارتباط الوثيق بفضائح المجتمع حين سألته عن السنة الهجرية الجديدة فعجز عن السؤال ولما أيقنت أن الشخص الذي تسأله خارج التغطية بادرته بسؤال بديهي لا يحتاج لجهد فكري عن السنة الميلادية التي نعيش على ضوء أيامها فردها إلى عام 2008، ليتأكد للمغاربة فعلا أن بيننا أناسا أشبه بأهل الكهف في توقف الزمن لديهم عند ماض قد يصل لعقود من الركود والتقوقع واللامبالاة!
إن هؤلاء الباعة يشبهون أهل الكهف في بدائية ما يعرضونه من مبيعات، وما يظهرون به من سحنات وجه يشبه وجه المعروض للبيع، وجه بئيس، شقي، مهان، غلب عليه الانهزام والاستسلام للقدر، وهم بسبب ذلك ينفسون على أنفسهم بما أدمنوا عليه من كحول رخيصة، فترى البائع منهم يجلس قرب معروضاته وقد تمكن منه السكر وتدلى رأسه نحو الأرض لا يكاد يرفعه إلا ليجيب مشتريا عن ثمن شيء بدا للشاري أنه ذو قيمة!
كم من حسرة أبديتها، وكم من تنهيدة زفرتها، وأنا أرثي لحال هؤلاء وأتحسر، ولا أحد من الناس أو من المسؤولين قد تفقد حالهم وشعر بهم وعطف عن حالهم الرث الهش البئيس!
المصدر : https://dinpresse.net/?p=15348
جمال اشيبانمنذ 3 سنوات
تحية للاخ عموري تمام لقد مررت البارحة من المكان المدكور (الدرجات الحمرين)نفس الشعور وكلامك كله صحيح تحياتي