قال مولاي إسماعيل بصير، شيخ الطريقة البصيرية ورئيس مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، يومه الاربعاء بمدينة العيون، في الذكرى الواحدة والخمسين لانتفاضة المناضل سيدي محمد بصير التاريخية، “نؤكد للرأي العام الوطني والدولي بأننا سنواصل سلك كل السبل التي يكفلها لنا القانون للكشف عن مصير الزعيم المفقود، سواء في المغرب أو في إسبانيا أو على الصعيد الدولي”.
وأضاف الشيخ: “إننا سنستمر في كشف صورة حقوق الإنسان التي تتخفى وراءها الدولة الإسبانية وترفع شعارها باطلا وزورا”.
كما أكد قائلا: “ونقول لإخواننا وبني عمومتنا الصحراويين في كل مكان، بأن الأحداث الحالية وتكالب بعض الدول على معاداتنا العلنية في وحدتنا الترابية، ينبغي أن يكون درسا لكل مواطن، وبالأخص المواطنين الصحراويين الذين يتوجب عليهم أكثر من أي وقت مضى التكتل وجمع الكلمة، وأن نعلن للعالم وفي كافة المحافل والمناسبات، بأننا في صحرائنا وفي أرضنا، وأن ميليشيات البوليزاريو لا تمثلنا في شيء، وإنما تمثل نفسها، وأن نتبرأ منها ومن أعمالها وعبثها، ونشجب تعاملها اللاإنساني عندما تسمح لقيادييها بالعلاج بالمستشفيات الإسبانية، في مقابل حجز المواطنين المغاربة العزل في ظروف لا إنساني”.
كلمة مولاي إسماعيل بصير رئيس مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام:
(بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الكائنات، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
السيد والي جهة العيون الساقية الحمراء المحترم.
السيد رئيس الجهة المحترم.
السادة رؤساء المصالح الخارجية كل واحد باسمه وصفته ورتبته.
السادة العلماء والأساتذة والأكاديميون.
السيد رئيس وأعضاء المجلس العلمي المحلي.
السيد رئيس المجلس الحضري للعيون.
السادة شيوخ وأعيان القبائل الصحراوية.
السادة البرلمانيون والمنتخبون،
السادة شيوخ ومقدمو الطرق الصوفية ومريدوها،
السادة رجال الإعلام والصحافة.
أيتها السيدات، أيها السادة الحضور الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
بداية، يشرفني ويسعدني أصالة عن نفسي ونيابة عن كافة أعضاء مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، أن أرحب بجمعكم العظيم، وأرحب بكل من أتانا ليشاركنا هذه الأنشطة المختلفة التي ننظمها بمناسبة تخليد الذكرى الواحدة والخمسين لانتفاضة سيدي محمد بصير ضد الاستعمار الإسباني، وذكرى اختفائه القسري، تحت شعار:
“الاختفاء القسري للمناضل محمد بصير يسائل إنسانية الدولة الإسبانية”،
أيتها السيدات، أيها السادة الحضور الكرام،
تأتي ذكرى الفقيد المناضل سيدي محمد بصير هذه السنة وسط زخم من الأحداث تعرفها العلاقات المغربية الإسبانية هذه الأيام، وقد طفت على السطح بسبب قرار إسبانيا السري استقبال زعيم ميليشيات البوليزاريو، وعدم إبلاغ الدولة المغربية بوصوله إلى أراضيها كما تقتضيه الأعراف الديبلوماسية وحسن الجوار، وذلك بالرغم من كونه مطلوبا لدى العدالة الإسبانية بدعاوى عديدة وانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان ارتكبها.
ومما زاد في حدة التوتر وأسهم في تطورها إلى تداعيات خطيرة، تهرب الدولة الإسبانية من الجواب الموضوعي الصادق والصريح على بلاغات الدولة المغربية بخصوص ذلك. مما يؤكد بالملموس النية المبيتة للجارة الشمالية للإضرار بالمصالح الاستراتيجية للمملكة المغربية.
وهذا أيها السادة أيتها السيدات، ما وقفت عليه الأسرة البصيرية في قصة تاريخ قضية ابنها المناضل محمد بصير المعروف ببصيري، زعيم وقائد انتفاضة العيون سنة 1970م، الذي قامت السلطات الاستعمارية الإسبانية باعتقاله وقتئذ، والتحقيق معه وسجنه وتعذيبه بسجن العيون، وإخفائه قسريا، وإخفاء الأرشيف المتعلق به، فمنذئذ لم يعرف مصيره رغم المحاولات الكثيرة من طرف أسرته البصيرية لمطالبة الإسبان بالكشف عن مصيره، ورغم طول هذه المدة لم نلمس من الجانب الإسباني جدية ولا تجاوبا صادقا في هذه القضية الخطيرة التي يكفلها ويضمنها القانون.
والذي زاد من استغرابنا واستفزازنا بقوة هذه السنة، ودعانا إلى تنظيم هذه الأنشطة تحت هذا الشعار المذكور آنفا، هو ادعاء الدولة الإسبانية في بعض من أجوبتها، أنها استقبلت زعيم عصابة البوليزاريو لاعتبارات إنسانية محضة، وأنهم يرغبون في توطيد العلاقات الإنسانية والتاريخية والثقافية والاقتصادية والاستراتيجية مع جيرانهم المغاربة، تعزيزا لروح الشراكة وحسن الجوار، وما إلى ذلك من الكلام الديبلوماسي الذي لاتعكسه التصرفات المتناقضة للطرف الإسباني.
ولهذا فإننا نقول لإسبانيا: إذا كانت الإنسانية هي دافعكم لفعل مافعلتم، فلماذا لم تكشفوا عن مصير الزعيم بصيري يوم قمتم بتبادل الأسرى مع ميليشيات البوليزاريو سنة 1975م، أو قبل هذا التاريخ أو بعده؟ أليست هذه القضية قضية إنسانية؟، أم أنكم أظهرتم الإنسانية والعطف مع زعيم ميليشيات البوليزاريو الذي خدمكم بخيانته وعمالته سنة 1971م، وأخفيتم الإنسانية في حق المناضل بصيري الذي قاومكم وأشهر في وجوهكم كل أساليب النضال، وأبطل مخططكم بأن تجعلوا من الصحراء المغربية مقاطعة إسبانية تابعة لكم في جنوب المغرب، تماما كما فعلتم بمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين بشمال المغرب.
ثم لماذا قمتم بمنع أفراد من عائلته من حق الحصول على تأشيرة شينغن، وقد هموا برفع دعوى قضائية للمطالبة بالكشف عن مصيره بالديار الإسبانية سنة 2011م، وتكرر منعهم سنة 2012م وسنة 2014م، ألا يدخل هذا في الإنسانية؟ أم أنكم تعتبرون الشينغن ملكا لكم تتصرفون فيه كما شئتم؟
وهذا أيها السادة هو الذي دلت عليه الأحداث الأخيرة عندما سمحت إسبانيا بإدخال مجرم مطلوب لدى عدالتها إلى حدود الشينغن سرا وبهوية مزورة، فأين هو احترام مبدأ القانون الدولي وقانون الشينغن الذي تنتمي إليه إسبانيا؟ أم أنها السياسة تسمح لها بتطبيق الشينغن على من تحب، وبعدم تطبيقه على من تشاء. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: أين هو الاتحاد الأوربي من كل هذه الخروقات البينة؟
أيها السادة أيتها السيدات، أتابع فأقول: واضطرت الأسرة البصيرية بعد ذلك اضطرارا إلى تغيير الوجهة للمطالبة بالكشف عن مصير فقيدها المناضل محمد بصير عن طريق مجموعة العمل الأممية للاختفاءات القسرية بجنيف بسويسرا سنة 2016م، التي قبلت الطلب وسجلته في سجلاتها، بعد أن اطلعت على كافة الوثائق والشهادات في الموضوع، وراسلت الدولة الإسبانية، هذه الأخيرة التي بقيت تتهرب من الجواب عن كشف مصيره المجهول إلى حد الساعة.
كل هذا التهرب من التجاوب مع العائلة البصيرية رغم أننا أعلنا في عدة مراسلات لوزارة الداخلية والخارجية والأحزاب الإسبانية، أننا سنسلك أولا الطريق الودي للكشف عن مصيره، وإعلان كونه مقاوما مغربيا صرفا، وإطلاع الأسرة وكافة المغاربة على قبره ورفاته، ليدفن مع أبويه وإخوانه جنبا إلى جنب في مقبرة الزاوية البصيرية، والإجابة على كافة مطالب العائلة في هذا الشأن.
فإن دلت كل هذه التصرفات والمناورات على شيء، فإنما تدل على تآمر الدولة الإسبانية على قضية المغرب الأولى وكل ما له صلة بها، وموالاتها الخفية المعلنة لأعداء الوحدة الترابية للمملكة المغربية منذ زمن بعيد.
ألم يكن حسن الجوار والنية الحسنة والتعاون على أكثر من صعيد، الذي تعامل به المملكة المغربية الدولة الإسبانية، يقتضيان أن تكون الدولة الإسبانية من أوائل من يعترفون بكون الصحراء مغربية؟ خاصة وأن الإسبان أول من استعمر الصحراء، ويعلمون علم اليقين أنها كانت دوما تحت السيادة المغربية، وأن تاريخ المنطقة يخلو نهائيا من وجود دولة تسمى الدولة الصحراوية.
و كنا نظن بأنه عندما أعلنت دولة الولايات المتحدة الأمريكية مشكورة اعترافها بمغربية الصحراء، أن هذا القرار سيشجع دول الجوار على عدم إلباس الحق بالباطل وكتمان الحق وهم يعلمون، غير أنه ظهرت نواياهم الحقيقية اتجاه المملكة المغربية، فقد بدت البغضاء من أفواههم وماتخفي صدورهم أكبر.
وبهذه المناسبة نقول للمسؤولين في الدولة الإسبانية: إن الصحراء المغربية ومدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية أراض إفريقية مغربية، وحدودك الأصلية تقع في القارة الأوربية، ونذكر بأن كل مواطن مغربي يسري في عروقه دم البطل طارق بن زياد عليه رحمات الله.
ونقول للمواطنين الإسبانيين: بأنه آن الأوان للنبش في الذاكرة الإسبانية وإعادة كتابة التاريخ الإسباني الحقيقي، خاصة أن الكل يعلم بأن شبح عشرات الآلاف من المفقودين وضحايا التعذيب لازال يسكن إسبانيا بعد رحيل فرانكو وبعد الحروب الأهلية التي سبقته، حيث خلفت أحداث القمع الدامي، والتعذيب والإعدامات التعسفية وتهمة الانتماء للحزب الشيوعي أكثر من مليون قتيل ومفقود، وأن العدالة في إسبانيا ولحد الساعة ترفض طلبات الضحايا، وتقصي القضاة النزهاء من النظر في أمثال هذه الملفات، وتمكن للجلادين الذين يعيشون بين الناس بشكل طبيعي، مستفيدين من قانون العفو، وأن مجموعة العمل الأممية للاختفاءات القسرية تؤكد غيابا شبه تام في التعامل معها من قبل الدولة الإسبانية في هذا الموضوع، فكيف للدولة الإسبانية بعد هذا كله أن تتبجح وأن تدعي الديموقراطية وضمان الحقوق الإنسانية والحريات الفردية؟ وكيف لها أن تضمد جراحات الماضي بالنسيان وعدم العرفان.
وفي هذا المقام لا يسعني إلا أن أعبر عن افتخاري ببلدي المملكة المغربية وأن أقف إكبارا وإجلالا لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي أمر منذ اعتلائه العرش بسن العديد من القوانين التي تهدف بالأساس إلى استعادة الذاكرة وترميمها درءا لأعطاب الماضي، وأسس هيئة الإنصاف والمصالحة، وشملها بعناية فائقة للنبش في الذاكرة وضمان حقوق المواطنين. ولم تكن بفضل الله للمغرب أية عقدة مع الماضي.
ختاما، وفيما يتصل بقضية الاختفاء القسري للمناضل محمد بصير، نؤكد للرأي العام الوطني والدولي بأننا سنواصل سلك كل السبل التي يكفلها لنا القانون للكشف عن مصير الزعيم المفقود، سواء في المغرب أو في إسبانيا أو على الصعيد الدولي، وأننا سنستمر في كشف صورة حقوق الإنسان التي تتخفى وراءها الدولة الإسبانية وترفع شعارها باطلا وزورا.
ونقول لإخواننا وبني عمومتنا الصحراويين في كل مكان، بأن الأحداث الحالية وتكالب بعض الدول على معاداتنا العلنية في وحدتنا الترابية، ينبغي أن يكون درسا لكل مواطن، وبالأخص المواطنين الصحراويين الذين يتوجب عليهم أكثر من أي وقت مضى التكتل وجمع الكلمة، وأن نعلن للعالم وفي كافة المحافل والمناسبات، بأننا في صحرائنا وفي أرضنا، وأن ميليشيات البوليزاريو لا تمثلنا في شيء، وإنما تمثل نفسها، وأن نتبرأ منها ومن أعمالها وعبثها، ونشجب تعاملها اللاإنساني عندما تسمح لقيادييها بالعلاج بالمستشفيات الإسبانية، في مقابل حجز المواطنين المغاربة العزل في ظروف لا إنسانية،
وإن كان من شيء نختم به فهو خالص الشكر والامتنان لمقام صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، على العناية المتواصلة بشخص المقاوم المغربي محمد بصير وقضيته، هذه الرعاية الملكية التي عرفت به وبقضيته على أكثر من صعيد، ولولا ذلك لكان هذا الملف سيطويه الزمان ويلفُّه النسيان، ولا يسعنا بهذه المناسبة إلا أن نبارك خطوات جلالته السديدة الناجحة ومواقفه الحكيمة الحازمة، وديبلوماسيته الفعلية التي مكنت بلادنا من الفوز وتخطي مختلف الأزمات بنجاح. والشكر موصول للسيد الوالي المحترم ورئيس المجلس الحضري وشيوخ القبائل الصحراوية على موافقتهم العناية بالفقيد وتسمية مكان انتفاضته باسمه وتسمية بعض المؤسسات باسمه. والحمد لله رب العالمين)
المصدر : https://dinpresse.net/?p=14879