محمد علي لعموري
يبدو أن المغرب بات يدرك جيدا عدوه الحقيقي الذي ما فتىء يدعي أن له مصالح حيوية واستراتيجية معه، وهو الجارة الشمالية اسبانيا التي سقطت نواياها غير المعلنة في شر أعمالها، وتعرت سياستها الخفية وسقطت أوراق التوت التي كانت تغطي سوآت سياستها المزدوجة، ما بين الحفاظ على علاقتها مع المغرب فيما يتعلق بتأمين الحدود، ومحاربة الهجرة السرية والتنسيق الاستخباراتي معه لمكافحة الإرهاب والجريمة عابرة للقارات، وما بين التواطؤ مع بوليزاريو والجزائر لمعاكسة مصالح المملكة فيما يخص وحدتها الترابية.
الجارة الشمالية انفضحت نواياها منذ اللحظة التي نسقت فيها مع الجارة الجزائر لاستقبال زعيم الانفصاليين من أجل دخوله التراب الاسباني سرا وباسم مستعار (ابن بطوش) حتى لا يتم استدعاؤه للتحقيق معه في جرائم اغتصاب وتعذيب كانت مسجلة كدعاوى ضده منذ مدة، وكانت السلطات الجزائرية على علم بها.
المخابرات المغربية على صعيد المصالح الخارجية علمت بهذا الترتيب وفضحته في حينه، وحين انكشف الأمر وطلب المغرب توضيحا، تلكأت الخارجية الاسبانية وبررت دخول زعيم بوليزاريو إلى اسبانيا لأسباب إنسانية !
وبدأت بوادر أزمة ديبلوماسية تلوح في الأفق، وخرجت سفيرة المغرب باسبانيا كريمة بنيعيش لتصف ما أقدمت عليه السلطات الإسبانية هو طعنة في ظهر المغرب، وأمرا مرفوضا يزعزع جو الثقة وحسن الجوار ويهدد المصالح المشتركة بين البلدين..
وبسبب تراخي الأمن المغربي في مراقبة الحدود مع اسبانيا أيام عيد الفطر، عرفت مدينة سبتة السليبة نزوحا غير مسبوق من المهاجرين مما صعد الموقف بين البلدين، ووضع اسبانيا في موقف لا تحسد عليه..
اليوم وبعد كل الضغوط التي مارسها المغرب، لجأ القضاء الإسباني إلى استدعاء زعيم الانفصاليين للمثول أمامه للاستماع إليه فيما هو منسوب إليه من جرائم. ونظرا لظروفه الصحية، تم الإستماع إليه عن بعد، لكن نتيجة الاستماع لم تسفر عن أي قرار بمنعه من السفر أو إصدار مذكرة لاعتقاله على ذمة التحقيق.
وهكذا غادر ابراهيم غالي اسبانيا عائدا إلى الجزائر عبر طائرة جزائرية فرنسية الصنع.
الحادثة إياها كشفت عن العديد من التناقضات والتخبطات التي وقعت فيها اسبانيا، وقسمت المسؤولين إلى جناح راديكالي تأخذه العزة والأنفة والاستعلاء في التعامل مع المغرب، وجناح واقعي براغماتي يرى في هذه الأزمة مقدمة للمزيد من التوتر مع جار تربطه واسبانيا مصالح اقتصادية قوية، وبالتالي لقيت الطريقة التي عولجت بها الأزمة من طرف الديبلوماسية الاسبانية نقدا وعتابا يقضي بعدم تأزيم الوضع أكثر مع المغرب.
هذه الأزمة كشفت عن أن القضاء الإسباني ليس مستقلا عن تدخلات السياسي، وأن مصالح اسبانيا مع الجزائر أقوى من مصالحها التي تربطها مع المغرب.
الأزمة إياها كشفت عن نوايا الإسبان في تأبيد وإطالة أمد النزاع المفتعل بالصحراء المغربية حتى ينشغل المغرب في حروب استنزاف، ويستنفد الجهد والمال في حروبه ضد الوهم الذي تسوق له كل من الديبلوماسية الجزائرية ودميتها بوليزاريو ضد المصالح الحيوية والوحدة الترابية للمغرب !
ولهذا فخطوات المغرب المقبلة ستكون مدروسة ومحسوبة من شتى المناحي في علاقاتها مع الجار الشمالي، هذا الأخير الذي لا ينظر إلى النجاح الديبلوماسي المغربي في اختراق قلاع العدو وتسجيل نقط قوة فيما يخص قضية الصحراء، آخره الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، قلت لا تنظر له الجارة الشمالية بعين الارتياح، وبالتالي فاسبانيا كما الجزائر ليس من مصلحتهما ازدهار المغرب وتقدمه، أو تسوية الوضع بالصحراء، لأن من شأن ذلك أن يغري المغرب لفتح ملف الثغور المحتلة من طرف اسبانيا.
فهل تلوح بوادر قطيعة ديبلوماسية في الأفق المنظور ما بين المغرب واسبانيا؟
هذا ما ستسفر عنه الأيام القليلة القادمة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=14719