سعيد الكحل
حين يعجز الإسلاميون عن إيجاد أو اقتراح حلول عملية لمشاكل المواطنين ، يلجأون إلى تعميم المشاكل وتعميق الأزمات انسجاما مع الأسس الإيديولوجية التي أقاموا عليها تنظيماتهم.
وغاية الإسلاميين من تعميق الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية هي تكريس وهْم أن “الإسلام هو الحل” ، وأن كل الحلول دونه مآلها الفشل. فحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة المغربية على مدى عشر سنوات ، لا يشذ عن هذه القاعدة ، بل هو وفيّ للإستراتيجية العامة لتيار الإسلام السياسي. إذ ليس من مصلحة البيجيديين حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في إطار مؤسسات الدولة ونظمها وتشريعاتها المدنية حتى لا يبور شعار “الإسلام هو الحل”الذي هو مناط مشروعهم المجتمعي.
فحين قاد البيجيدي أول حكومة له ، كانت ظروف المواطنين الاجتماعية في أحسن حال مما صارت عليه بعد التجربة الحكومية للبيجيدي ، سواء من حيث نسبة الفقر أو البطالة أو غلاء الأسعار أو تكلفة المعيشة (نسبة الفقراء في البادية بلغت 79.4 في المائة سنة 2018 ،بلغ معدل البطالة في صفوف الشباب 22 في المائة على الصعيد الوطني، و40.3 في المائة في المناطق الحضرية ).
علما أن الموارد المالية التي توفرت لحكومتي البيجيدي المتأتية من قرار تحرير أسعار المحروقات والمواد الأساسية بعد إلغاء صندوق المقاصة ، كانت جد مهمة ( 40 مليار درهم سنويا على الأقل )، وملايير الدولارات المحصل عليها من القروض الخارجية التي أثقل بها الخزينة العامة ورهن بها مصير الوطن ، فضلا عن الاعتمادات المالية التي كان من المفروض أن توجه إلى قطاع الوظيفة العمومية لتلبية حقوق الموظفين في الترقي (بنكيران ألغى الحق في الترقي بالشهادات العليا والدبلومات ، وجمّد الأجور، وفرض التوظيف بالتعاقد ..)؛ وهي الاعتمادات التي لم تتوفر للحكومات السابقة، ورغم ذلك ضمنت للموظفين ولعموم المواطنين حقوقهم ومكاسبهم الاجتماعية (الترقي ، الزيادة في الأجور ، سلالم متحركة ، تقاعد مناسب ، أسعار مقبولة..).
لم يهنأ بال البيجيدي ولم يرتح ضميره إلا بعد أن أجهز على كل المكتسبات الاجتماعية ووسع الفوارق الطبقية. والبيجيدي ، وهو يقْدم على هذه القرارات الظالمة لعموم الشعب المغربي ، لم يطرح حينها مسألة “المقاربة التشاركية” ، أو توسيع الاستشارات مع القطاعات المعنية التي يطرحها اليوم لقطع الطريق أمام المصادقة على مشروع القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي (الكيف) . مشروع لا يخدم أهداف البيجيدي ولا ينسجم مع إستراتيجية تعميم الأزمة الاجتماعية التي يتغذى عليها. لهذا صوت نواب الحزب ضد المشروع بعد أن فشلت كل محاولاتهم لإلغائه أو تعطيل المصادقة عليه.
إن موقف الحزب من هذا المشروع الذي صار قانونا بعد المصادقة عليه، يكشف عن عمق تناقضاته التي من أبرزها:
1 ــ الولاء للزعيم وللتنظيم بدل الشعب والوطن. فبرلمانيو الحزب يدركون جيدا أهمية الاستعمالات الطبية للكيف اقتصاديا واجتماعيا ، إلا أنهم صوتوا ضد المشروع امتثالا لرغبة بنكيران الذي سبق وهدد بالانسحاب من الحزب في حالة مصادقتهم عليه كالتالي “أنا الموقع أسفله عبد الإله ابن كيران بصفتي عضوا في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية وإذا ما وافقت الأمانة العامة للحزب على تبني القانون المتعلق بالقنب الهندي (الكيف) المعروض على الحكومة، فإنني أجمد عضويتي في الحزب المذكور. وفي حالة إذا ما صادق ممثلو الحزب في البرلمان على القانون المذكور فسأنسحب من هذا الحزب نهائيا”. هكذا جعل البيجيديون الحزب أولى من الوطن والشعب. فلا صوت يعلو على صوت الزعيم.
2 ــ مصادقتهم على قانون المالية الذي يتضمن مداخيل الضريبة على التبغ والخمور فيما ناهضوا قانون الكيف . ذلك أن البيجيدي الذي صوت ضد مشروع القانون 13.21 المتعلق بتقنين الاستعمالات الطبية للكيف ، والذي سبق وناهضه على مدى خمس سنوات، ثم سعى إلى عرقلة المصادقة عليه بكل السبل ، هو نفسه الحزب الذي صوت لصالح قانون المالية بكل أبوابه بما فيها مداخيل الضريبة المفروضة على استهلاك التبغ والخمور (13 مليار درهم). لقد فقد الحزب توازنه ، إن كان له فعلا توازن ، ولم يعد يسْتَجْل ، من جهة التأثير المشترك لكل من الخمر والكيف على العقول ، ومن أخرى خضوعهما لنفس الأحكام الفقهية.
الأمر الذي جعل مواقفه متناقضة ، بحيث طالب برأي المجلس العلمي الأعلى في مشروع قانون الكيف ، بينما لم يفعل حين تم عرض قانون المالية بمداخيله المتأتية من التبغ والخمر. سلوك انتهازي سياسوي هذا الذي أقدم عليه الحزب والذي يروم به تبرئة التنظيم من تشريع قانون الكيف والمصادقة عليه. فالمواطن المغربي ليس بالبليد حتى تنطلي عليه خدعة البيجيدي الذي أعدت حكومته مشروع القانون وعرضته للمصادقة ، بينما برلمانيوه يصوتون ضده .فقرارات الحكومة يتحمل مسؤوليتها الحزب الذي يرأسها.
3 ــ ادعاء تغليب مصلحة المواطنين وتقويضها في نفس الوقت . فالحزب يدرك جيدا المآسي الاجتماعية التي يخلفها الاتجار في الكيف على المواطنين البسطاء، سواء بناء على إحصائيات وزارة العدل ( 58 ألف حالة متابعة في المنطقة بتهمة الاتجار في الكيف، يمثل السجناء بسبب جرائم المخدرات 25 % من مرتادي السجون على الصعيد الوطني)، أو حسب المعطيات التي كشفت عنها اللجنة الملكية لإعداد النموذج التنموي من أن عدد الأشخاص الذين توبعوا بجرائم متعلقة بالكيف بلغ أكثرمن 70 ألف شخص سنة 2016.
فالحزب لا يكترث للأوضاع الأسرية والاجتماعية والنفسية الناتجة عن الملاحقات القضائية في حق هؤلاء المواطنين ؛ كما لا يسعى لجلب المنفعة لساكنة المناطق التي تنشط فيها زراعة الكيف ولا ما ستذره عليها من مداخيل (الدخل الصافي للهكتار يمكن أن يصل إلى حوالي 110 آلاف درهم سنويا).
إن مداخيل زراعة الكيف ستتجاوز المداخيل الفلاحية الحالية ( حوالي 400 مليون دولار سنويا)، بحيث ستتراوح بين 4.2 مليار دولار و 6.3 مليار دولار. لا ننسى أيضا أن قيادات من البيجيدي أصدرت فتاوى تحرّم الاستفادة من قروض برنامج “انطلاقة” لدعم المقاولين الشباب على خلق مقاولاتهم.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=14666