أَلأِمبراطُورِيّاتُ وَمَنْطِقُ أَلْدَوْلَةِ

زعيم الخيرالله
2021-02-11T14:34:23+01:00
آراء ومواقف
زعيم الخيرالله11 فبراير 2021آخر تحديث : الخميس 11 فبراير 2021 - 2:34 مساءً
أَلأِمبراطُورِيّاتُ وَمَنْطِقُ أَلْدَوْلَةِ

زعيم الخيرالله
قبلَ الحَديثِ عن هذا العُنوانِ ، لابُدَّ مِن تعريفِ الامبراطوريّةِ. عُرِّفَتْ الامبراطوريَّةُ بأنّها: “تجمعُ دُوَلٍ كَثيرةٍ تحتَ حُكْمِ سُلْطانٍ واحدٍ “. ومن هذا التَّعْرِيفِ نفهمُ أَنَّ الامبراطورِيَّةَ دَولَةٌ مَركزيّةٌ تغولت وتوسعت وتمددت ، وَضَمَّتْ اليها دُوَلاً أُخْرى ظُلْماً وَعُلُوّاً وفقاً لمنطقِ القُوَّةِ لامنطقِ الحَقِّ.

أَمّا الدَوْلَةُ فَمُصْطَلَحٌ ظَهَرَ في اللّغاتِ الأورُبِيَّةِ في مطلعِ القرنِ الخامس عشر ، وفي القرن الثامن عشر أُستُخدِمَ بمعناه اللاتيني الذي يَعني ” الشؤون العامَّة “.

وقد عَرّفَ ماكس فايبر الدولَةَ بِأَنَّها: ( مُنَظَّمَةٌ سياسيَّةٌ إِلزاميَّةٌ مَعَ حُكُومَةٍ مركزيّةٍ تحافظُ على الاستخدامِ الشَّرعيِّ للقُوَّةِ في اطارِ ارضٍ مُعَيَّنَةٍ ) . وَعَرَفَتْها موسوعةُ لاروس الفرنسيّة بأنَّها : (مجموعةٌ من الافرادِ الذينَ يَعيشونَ في أَرضٍ مُحَدَدَةٍ وَيَخضَعُونَ لسُلطَةٍ مُعَيَّنَةٍ ). والدولةُ نشات في اعقابِ مؤتمر وستفاليا عام 1648 ، بعد حرب الثلاثين عاماً في اوربا.

قبلَ هذا التأريخِ ، لمْ يعرِفِ العالَمُ مفهومَ الدولة المُحَدَدَةِ الحدودِ ، والتي لها ارضٌ محددة ، وشعب محدد ، ويحكمها دستور ، وتنظم علاقاتها مع مواطنيها قوانين وانظمة ، وتنظم علاقاتها بالدول الاخرى قوانين دوليّة .

كان العالَمُ قبلَ هذا التأَريخِ ، تحكُمُهُ الامبراطوريّاتُ التي لايحكمها قانونٌ ولاضوابطُ أَخلاقيّةٌ ، بل تحركُها نزعاتُ السيطرةِ والتمدد والتوسعِ على حساب الاخرين ، لاوجود لقوانينَ دوليّة تراقبُ انتهاكات حقوقِ الانسان داخل هذه الامبراطوريّات ، وقهر الشعوب وقمعها خارج هذه الامبراطوريات ،التي لاهمَّ لها الا التوسع والعدوان والقهر والسيطرة ونهب ثروات الشعوب.

الامبراطوريّةُ الرومانيّةُ امتدت من عام 510 قبل الميلاد الى القرن الاول قبل الميلاد ، والامبراطوريّة العثمانيّةُ ، امتدت من عام 1299 الى عام 1923 . وفي العصور الوسطى هناك ممالك حكمت اوربا في العصور الوسطى باسم المسيحيّة ادت الى حروب دينيّة شهدتها اوربا استمرت لثلاثين عاماً انهتها معاهدةُ وستفاليا .

هناك امبراطوريات انتهت بعد الحرب العالميّة الاولى كامبراطورية رومانوف في روسيا وامبراطورية كل من النمسا والمانيا والامبراطوريّة العثمانيّة . وفي عام 1918 بشّرَ الرئيس الامريكي ويلسون ، الذي اعلن المبادئ الاربعة عشر، بعد الحرب العالمية الاولى بعالمٍ جديدٍ يقومُ على اساسِ الحَقِّ والحريّةِ وتقريرِ المصير.

الامبراطوريّةُ الصَّفَوِيَّةُ حكمت من عام 1501-1736 ، والتي لم يقتصر حكمُها على ايران بل امتد نفوذها وضمت مناطق من اسيا الوسطى والعراق .وكانت في حروبٍ داميّةٍ مع الامبراطوريّةِ العثمانيّةٍ.

كلُّ هذهِ الامبراطوريّاتِ اختفت عن المشهد العالّمي ، لم يبقَ منها الا دُوَلُها . الامبراطورية الصَّفَويَّة لم يبقَ منها اليوم الا دولة ايران، والامبراطوريّةُ العثمانيّةُ لم يبقَ منها الا الدولة التركيّة ، وامبراطوية بريطانيا العظمى لم يبق منها اليوم الا المملكة المتحدة ، والامبراطوريّة القيصريّة ، والاتحاد السوفياتي لم يتبق منهما الا روسيا ، والامبراطوريّةُ الرومانيّة لم يتبقَ منها الا دولة ايطاليّا اليوم .

الامبراطورياتُ بتمددها الظالمِ وتوسعها اللامحدود تنتهي وتعود الى وضعها الطبيعي كدولة ، وهذا يثبتُ لنا وبدليلٍ قاطع ؛ ان منطقَ الدولة اقوى من غطرسةِ الامبراطوريّة .
وأَيُّ دولَةٍ تحاولُ ان تتجاوز حدودها وتتمدد ظلماً وعلواً على حدودِ الآخرينَ وحقوقِهم ، منطقُ الدولةِ يفرضُ عليها ان تتراجع الى حدودها الطبيعيّة .

وهذا درسُ التاريخ لكل الحكام المتغطرسين الذين ارادوا ان يتجاوزوا منطق الدولة الى غطرسة القوة والتمدد الامبراطوري . هكذا اراد الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب ان يتجاوز منطق الدولة الى عقلية القوة والهيمنة الامبراطورية ، ولكن في النهاية انتصر منطق الدولة الامريكيّة على العقليّة الامبراطوريّة للرئيس ترامب.

الحضارَةُ والامبراطويّةُ
الامبراطورياتُ تتساقطُ وتنتهي من مسرح التأريخِ وتتحولُ الى دُوَلٍ لها حُدودُها الطبيعيّةُ ، ولكن هل القانون الذي يسري على الحضارات هو نفس قانون الامبراطوريّات ؟ نعم : الامبراطوريةُ رافعةٌ للحضارة ، ولكن ليست هي الحضارة ، ويمكن ان تقوم حضارة دون ان تكون هناك امبراطوريّة . ويمكن أَنْ تسقطَ الامبراطوريّةُ وتبقى الحضارةُ .

الآن سقطت كلُّ الامبراطوريات التي رفعت شعار الاسلام ، ولكن لم يسقطِ الاسلامُ كدينٍ وحضارةٍ . الامبراطوريات تسقط ولكنَّ الحضارة تبقى حيّةً . الاسلام كقيم وحضارة موجود رغم عدم وجود امبراطوريات ترفع رايته . الامبراطوريات تسقط ولكن حضاراتها باقية في باطن الارض وعلى سطح الارض ، امبراطوريات الفراعنة سقطت ولكن الحضارة الفرعونيّة لم تسقط بل بقيت باهراماتها الشامخة وبما يحويه باطن الارض المصرية من كنوزهم وآثارهم.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.